١ - باب الحثِّ على طلب العلم
٣٦٤١
- حدَّثنا مُسدَّدُ بن مُسَرْهَدٍ،
حدَّثنا عبدُ الله بنُ داود، قال: سمعتُ عاصمَ بن رجاء بن حيرة يُحَدِّثُ، عن
داودَ بن جميلِ، عن كثيرِ بن قيس، قال:
كنت جالسًا مع أبي الدرداء في مسجدِ
دمشقَ، فجاءه رجلٌ، فقال: يا أبا الدَّرداء، إني جئتك من مدينةِ الرسولِ ﷺ لحديثٍ
بلغني أنَّك تُحدَّثه، عن رسولِ الله ﷺ، ما جئتُ لحاجةٍ. قال: فإني سمعتُ رسولَ
الله ﷺ يقول: «مَنْ سلَكَ طريقًا يَطلُبُ فيه علمًا سَلَكَ الله عز وجل به طريقًا
من طُرُقِ الجنة، وإنَّ الملائكةَ لتَضَعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العلم، وإنَّ
العالم ليستغفِرُ لهُ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرضِ والحيتانُ في جوف الماء،
وإن فضلَ العالمِ على العابِدِ كفضل القَمَرِ ليلةَ البدرِ على سائر الكواكِبِ،
وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا
دِرْهمًا، ورَّثُوا العِلْمَ، فمن أخَذَه أخَذَ بحظٍّ وافِرٍ» (١).
(١) حسن بشواهده كما بيناه في «مسند أحمد»
(٢١٧١٥)، وهذا إسناد ضعيف لضعف كثير بن قيس.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٣) من طريق عبد
الله بن داود الخريبي، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٧١٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٨٨).
وأخرجه الترمذي (٢٨٧٧) من طريق محمد
بن يزيد الواسطي، عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن قيس بن كثير [قلنا: كذا سماه]، به.
وقال الترمذي: ليس إسناده عندي بمتصل، هكذا حدَّثنا محمد بن خداش هذا الحديث، انما
يُروى هذا الحديث =
٣٦٤٢ - حدَّثنا محمدُ بنُ الوزير
الدِّمشقيُّ، حدَّثنا الوليدُ، قال: لقت شبيبَ ابنَ شيبةَ، فحدَّثني به، عن عثمان
بن أبي سَوْدَةَ
= عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن داود بن
جميل، عن كثير بن قيس، عن أبي الدرداء، عن النبي ﷺ وهذا أصح من حديث محمود بن
خداش، ورأى محمدُ بن إسماعيل هذا أصحَّ.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٧١٥).
وأخرجه مختصرًا ابن ماجه (٢٣٩) من
طريق عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، عن أبيه، عن أبي الدرداء. وإسناده
منقطع. عطاء بن أبي مسلم لم يسمع من أبو الدرداء، وعثمان ابنُه ضعيف.
وانظر تتمة شواهده في «مسند أحمد»
(٢١٧١٥).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قوله: «إن الملائكة
لتضع أجنحتها لطالب العلم» ويتأول على وجوه، أحدها: أن يكون وضعُها الأجنحة بمعنى
التواضع والخشوع تعظيمًا لحقه وتوقيرًا لعلمه، كقوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء:٢٤] وقيل: وضعُ الجَناح معناه الكف
عن الطيران للنزول عنده، كقوله: «ما من قوم يذكرون الله إلا حفّت بهم الملائكة
وغشيتهم الرحمة»، وقيل: معناه بسط الجناح وفرشها لطالب العلم لتحمله عليها فتبلغه
حيث يؤُم ويقصِد من البقاع في طلبه، ومعناه: المعونة وتيسير السعي له في طلب
العلم، والله أعلم.
وقيل في قوله: «وتستغفر له الحيتان
في جوف الماء»: إن الله قد قيّض للحيتان وغيرها من أنواع الحيوان بالعلم على.
ألسنة العلماء أنواعًا مِن المنافع والمصالح والإرفاق. فهم الذين بيَّنوا الحكم
فيها فيما يحل ويحرم فيها، وأرشدوا إلى المصلحة في بابها، وأوصَوا بالإحسانِ
إليها، ونفي الضرر عنها، فألهمها اللهُ الإستغفارَ للعلماء، مجازاة لهم على حسن
صنيعهم بها وشفقتهم عليها.
وقال القاضي: شبه العالم بالبدر،
والعابد بالكواكب، لأن مال العبادة ونورها لا يتعدى من العابد، ونور العالم يتعدى
إلى غيره فيستضيء بنوره المتلقى عن النبي ﷺ، كالقمر تلقى نوره من نور الشمس من
خالقها عز وجل.
عن أبي الدَّرداء بمعناه- يعني عن
النبي ﷺ (١).
٣٦٤٣
- حدَّثنا أحمدُ بنُ يونس، حدَّثنا
زائدةُ، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: ما من رجل
يسلُك طريقًا يطلُبُ فيه علمًا، إلا سهَّلَ الله عز وجل له به طريقًا إلى الجنة،
ومن أبطًا به عَملُهُ لم يُسرعْ به نَسبُه» (¬٢).
٢
- باب
رواية حديث أهل الكتاب
٣٦٤٤
- حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد بن ثابت
المروزيُّ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزهريِّ، أخبرني ابن أبي
نَمْلَةَ الأنصاري
عن أبيه: أنه بينما هو جالِس عندَ
رسولِ الله ﷺ وعِنْدَه رَجُلٌ من اليهود مُرَّ بجنازةِ، فقال: يا محمَّدُ، هل
تتكلم هذه الجنازةُ؟ فقال
(١) حسن، فإن كان شيخُ الوليد -وهو ابن مسلم-
فيه شبيب بن شيبة، فالحديث حسن بشواهده كما بيناه في الطريق السالف قبله، وإن كان
شعيبَ بن رُزيق كما في رواية عمرو بن عثمان الحمصي عن الوليد بن مسلم - وقد أشار
إليها المزي في «تهذيب الكمال» قائلًا: وهو أشبه بالصواب فالإسناد حسن، وعلى آية
حالٍ فإن للحديث شواهد ذكرناها في «مسند أحمد» (٢١٧١٥) يُحسن بها إن شاء الله
تعالى.
(٢)
إسناده صحيح. أبو صالح: هو ذكوان السمان، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وزائدة: هو
ابن قُدامة.
وأخرجه بأطول مما ها هنا مسلم
(٢٦٩٩)، وابن ماجه (٢٢٥)، والترمذي (٢٨٣٧) و(٣١٧٤) من طريق الأعمش، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٤٢٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٨٤).
قال النووي في «شرح مسلم»: «من بطأ
به عملُه لم يُسرع به نسبه» معناه: من كان عمله ناقصًا، لم يُلحقه بمرتبةِ أصحاب
الأعمال، فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلةِ الآباء ويُقَصِّرَ في العمل.
النبيَّ ﷺ: «الله أعلمُ» فقال
اليهوديُّ: إنها تتكلَّمُ، فقال رسولُ الله ﷺ: «ما حَدَّثكم أهلُ الكتابِ فلا
تُصَدِّقوهُم ولا تُكَذِّبوهُم، وقولوا: آمنَّا بالله ورُسُلِهِ، فإن كانَ باطلًا
لم تُصدِّقوه، وإن كان حقًا لم تُكذِّبوه» (١).
٣٦٤٥
- حدَّثنا أحمدُ بنُ يونس، حدَّثنا
ابنُ أبي الزِّناد، عن أبيه، عن خارجةَ بن زَيدِ بن ثابتٍ، قال:
(١) إسناده حسن. ابن أبي نملة -واسمه نملة-
روى عنه جمع وذكره ابن حبان في «الثقات» فهو حسن الحديث.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٠١٦٠)
و(١٩٢١٤) و(٢٠٠٥٩).
وأخرجه أحمد (١٧٢٢٥)، ويعقوب بن
سفيان في «المعرفة والتاريخ» ١/ ٣٨٠، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢١٢١)،
والدولابي في «الكنى» ١/ ٥٨، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٥١٩٧) و(٥١٩٨)، وابن
حبان (٦٢٥٧) والطبراني في «الكبير» ٢٢/ (٨٧٤ - ٨٧٩)، والبيهقي في «السنن الكبرى»
٢/ ١٠، وفي «شعب الإيمان» (٥٢٠٦)، والبغوي في «شرح السنة» (١٢٤)، وفي «التفسير» ٥/
١٩٦، وابن الأثير في «أسد الغابة» ٦/ ٣١٥، والمزي في «تهذيب الكمال» ٣٤/ ٣٥٤
كلاهما في ترجمة أبي نملة، في طرق عن ابن شهاب الزهري، به.
وقوله: «ما حدثكم أهل الكتاب فلا
تصدقوهم ولا تكذبوهم» هذا خاص بما هو مسكوت عنه في شريعتنا، لا هو مما علمنا صحته
مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، ولا هو مما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه،
فالمسكوت عنه لا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته، فقد روى البخاري (٣٤٦١) من حديث
عبد الله بن عمرو أن النبي ﷺ قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا
حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار». لكن ينبغي التنبه إلى أن إباحة
التحدث عنهم فيما ليس عندنا دليل على صدقه ولا كذبه شيء، وذكر ذلك في تفسير القرآن
وجعله قولًا أو رواية في معنى الآيات، أو في تعيين ما لم يعين فيها أو في تفصيل ما
أجمل فيها شيء آخر، لأن في إثبات مثل ذلك بجوار كلام الله ما يوهم أن هذا الذي لا
نعرف صدقه ولا كذبه مبين لمعنى قول الله سبحانه، ومفصل لما أجمل فيه، وحاشا لله
ولكتابه من ذلك.
قال زيدُ بنُ ثابت: أمرني رسولُ الله
ﷺ فتعلمتُ له كتابَ يهودَ، وقال: «إني والله ما آمَنُ يهودَ على كتابي» فتعلمتُه،
فلم يَمُرَّ بي إلا نصفُ شَهرٍ حتَّى حَذِقْتُه، فكُنتُ أكتبُ له إذا كَتَب،
وأقرأُ له إذا كُتِبَ إليه (١).
٣
- باب في
كتاب العلمِ
٣٦٤٦
- حدَّثنا مُسدَّدٌ وأبو بكر بن أبي
شيبةَ، قالا: حدَّثنا يحيى، عن عُبيد الله ابن الأخْنَس، عن الوليدِ بن عَبد الله
بن أبي مُغيثٍ، عن يوسف بن ماهَك
عن عبدِ الله بن عمرو، قال: كنتُ
أكتبُ كلَّ شيءٍ أسمعُه من رسولِ الله ﷺ أُريدُ حفْظَه، فنهتْني قريشٌ، وقالوا:
أتكْتبُ كلَّ شيءٍ تَسمَعُه من رسول الله ﷺ، ورسولُ الله ﷺ بَشَرٌ يتكلَّمُ في
الغضَبِ
(١) صحيح. وهذا إسناد حسن من أجل ابن أبي
الزناد -واسمه عبد الرحمن-. أبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان.
وأخرجه الترمذي (٢٩١٢) من طريق عبد
الرحمن بن أبي الزناد، بهذا الإسناد.
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وعلقه البخاري (٧١٩٥) بصيغة الجزم.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٦١٨).
وأخرجه أحمد (٢١٥٨٧)، والطحاوي في
«شرح مشكل الآثار» (٢٠٣٨)، وابن حبان (٧١٣٦) من طريق الأعمش، عن ثابت بن عُبيد، عن
زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله ﷺ: «تُحسن السُّريانية؟ إنها تأتيني كتب» قال:
قلت: لا، قال: «فتعلَّمْها» فتعلمتها في سبعة يومًا. وهذا إسناد صحيح. وثابت بن
عبيد نص البخاري على سماعه من مولاه زيد بن ثابت في «تاريخه»الكبير«، وأخرج
في»الأدب المفرد«(٢٨٦) ما يفيد أكثر من سماعه من زيد بن ثابت، خلافا لما ظنه
الذهبي في»تاريخ الإسلام«من أن روايته عن مولاه منقطعة.
وانظر تمام تخريجه من هذا الطريق
الثاني في»المسند«و»صحيح ابن حبان".
والرِّضا، فأمسَكتُ عن الكتاب،
فذكرتُ ذلك لرسول الله ﷺ، فأومأ بإصبَعِه إلى فيه، فقال: «اكتُبْ، فوالذي نفسي
بيدِه، ما يَخرُجُ منه إلا حقٌّ» (١).
٣٦٤٧
- حدَّثنا نصرُ بن عليٍّ، أخبرني أبو
أحمدَ، حدَّثنا كثيرُ بنُ زيدٍ، عن المطَّلب بن عبد الله بن حَنْطَب، قال:
دخل زيد بن ثابت على معاوية، فسأله
عن حديثٍ، فأمر إنسانًا يكتبُه، فقال له زيد: إن رسولَ الله ﷺ أمرنا أن لا نكتُب
شيئًا من حديثه، فمَحَاه (٢).
(١) إسناده صحح يحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ٤٩ - ٥٠،
وأحمد (٦٥١٠)، والدارمي (٤٨٤)، والحاكم ١/ ١٠٥ - ١٠٦، وابن عبد البر في «جامع بيان
العلم» ص ٨٩ - ٩٠، والخطيب في «تقييد العلم» ص٨٠، والمزي في «تهذيب الكمال» ٣١/ ٣٨
- ٣٩ من طريق يحيى بن سعيد القطان، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٦٩٣٠)، والحاكم ١/ ١٠٥،
وابن عبد البر ص ٨٩ من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
وأخرجه الحاكم ١/ ١٠٥ من طريق عمرو
بن شعيب، عن مجاهد، عن عبد الله ابن عمرو.
(٢)
إسناده ضعيف لانقطاعه، المطلب بن عبد الله بن حنطب لم يسمع من زيد ابن ثابت. أبو
أحمد: هو محمد بن عبد الله الزبيري.
وأخرجه أحمد (٢١٥٧٩)، والخطيب
البغدادي في «تقييد العلم» ص ٣٥، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» ١/ ٦٣ من
طريق كثير بن زيد، به.
وأخرج الدارمي (٤٧٤) من طريق عبد
الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن زيد بن ثابت قصة امتناع زيد عن الكتابة لمروان
بن الحكم، وهو أمير على المدينة، وليس فيها الحديث المرفوع. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= ويشهد للنهي عن الكتابة حديث أبي
سعيد الخدري عند مسلم (٣٠٠٤) قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني
غير القرآن فليمحه».
قال الخطابي: يشبه أن يكون النهي
متقدمًا وآخر الأمرين الأباحة.
وقال النووي في «شرح مسلم»: قال
القاضي [يعني عياضًا]: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة
العلم فكرهها كثيرون منهم وأجازها أكثرهم، ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك
الخلاف، واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي، فقيل: هو في حقٌ من
يُوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب، وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة
على من لا يوثق بحفظه، كحديث: «اكتبوا لأبي شاه» وحديث صحيفة علي رضي الله عنه،
وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات، وحديث كتاب الصدقة
ونُصُب الزكاة الذي بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنسًا رضي الله عنه حين وجهه إلى
البحرين، وحديث أبي هريرة أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب، وغير ذلك من
الأحاديث. وقيل: إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث، وكان النهي حين خيف اختلاطه
بالقرآن، فلما أُمن ذلك أَذِن في الكتابة. وقيل: إنما نهى عن كتابة الحديث مع
القرآن في صحيفة واحدة، لئلا يختلط فيشتبه على القارئ، والله أعلم.
وقال الإِمام ابن القيم في «تهذيب
السنن» ٥/ ٢٤٥: قد صحَّ عن النبي ﷺ النهي عن الكتابة والإذن فيها، والإذن متأخر،
فيكون ناسخًا لحديث النهي، فإن النبي ﷺ قال في غزاة الفتح: «اكتبوا لأبي شاه» يعني
خطبته التي سأل أبو شاه كتابتها، وأذن لعبد الله ابن عمرو في الكتابة، وحديثه
متأخر عن النهي، لأنه لم يزل يكتب، ومات وعنده كتابته وهي الصحيفة النبي ﷺ كان
يُسميها الصادقة ولو كان النص عن الكتابة متاخرًا، لمحاها عبد الله، لأمر النبي ﷺ
ما كُتِبَ عنه غير القرآن، فلما لم يمحُها وأثبتها دل على أن الإذن في الكتابة
متأخر عن النهي عنها، وهذا واضح والحمد لله. وكتب النبي ﷺ لعمرو بن حزم كتابًا
عظيمًا، فيه الديات وفرائض الزكاة وغيرها، وكتبه في الصدقات معروفة مثل كتاب عمر
بن الخطاب وكتاب أبي بكر الصديق الذي دفعه إلى أنس رضي الله عنهم.
=
٣٦٤٨ - حدَّثنا أحمدُ بنُ يونس، حدَّثنا أبو
شهاب، عن الحذَّاء، عن أبي المُتوكل الناجِىِّ
عن أبي سعيد الخدري، قال: ما كنا
نكتُبُ غيرَ التشهدِ والقُرآن (١).
٣٦٤٩
- حدَّثنا مُؤمَّلٌ، قال: حدَّثنا
الوليدُ وحدَّثنا العباسُ بنُ الوليد بن مَزْيَد، قال: أخبرني أبي، عن الأوزاعي،
عن يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: حدَّثنا أبو سلمة -يعني ابن عبد الرحمن- قال:
= وقيل لعلي: هل خصكم رسول الله ﷺ
بشيء، فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا ما في هذه الصحيفة، وكان فيها
العُقول وفِكاك الأسير، وأن لا يُقتل مسلم بكافر.
وإنما نهى النبي ﷺ عن كتابة غير
القرآن في أول الإسلام لئلا يختلط القرآن بغيره، فلما عُلِمَ القرآنُ وتميَّزَ،
وأُفرِد بالضبط والحفظ، وأُمِنت عليه مفسدة الاختلاط، أُذِن في الكتابة.
وقد قال بعضهم: إنما كان النهي عن
كتابة مخصوصة، وهي أن يجمع بين كتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة خشية
الالتباس، وكان بعض السلف يكره الكتابة مطلقًا.
وكان بعضهم يرخص فيها حتى يحفظ، فإذا
حفظ محاها.
وقد وقع الاتفاق على جواز الكتابة
وإبقائها، ولولا الكتابة ما كان بأيدينا اليوم من السنة إلا أقلَّ القليل.
وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح» ١/
٢٠٤: وقد استقر الأمر، والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم، بل على استحبابه، بل
لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم.
(١)
إسناده صحيح. أبو المتوكل الناجي: هو علي بن داود، والحذاء: هو خالد ابن مهران،
وأبو شهاب: هو عبد ربه بن نافع الكناني الحنَّاط.
وأخرجه الخطيب في «تقييد العلم» ص٩٣،
وأبو إسماعيل الهروي في «ذم الكلام» (٥٩٠) من طريقين عن خالد الحذاء، به.
وانظر معنى هذا الحديث عند الحديث
السالف قبله.
تنبيه: هذا الأثر أثبتناه من «تحفة
الأشراف» (٤٢٥٨)، وأشار الحافظ المزي هناك إلى أنه في رواية أبي الحسن ابن العبد،
ولم يذكره أبو القاسم.
حدَّثني أبو هريرة قال: لما فُتِحَت
مكَّةُ قام النبيَّ ﷺ، فذكرَ الخطبةَ خطبةَ النبيِّ ﷺ، قال: فقامَ رَجُلٌ مِن أهلِ
اليمنِ يقال له: أبو شاهٍ، فقال: يا رسولَ الله، اكتُبُوا لي، فقال: «اكتبوا لأبي
شَاهٍ» (١).
٣٦٥٠ حدَّثنا
علي بنُ سَهْلٍ الرملىُّ، قال: حدَّثنا الوليدُ، قال: قلت لأبي عمرو: ما يَكتبوه؟
قال: الخطبةَ التي سَمِعَها يومئذٍ منه (٢).
٤
- باب
التَّشديد في الكذب على رسول الله ﷺ -
٣٦٥١
- حدَّثنا عمرُو بنُ عونٍ، قال:
أخبرنا، وحدَّثنا مُسدَّدٌ، قال: حدَّثنا خالدٌ -المعنى- عن بيانِ بن بِشْر -قال
مُسدَّدٌ: أبو بشر- عن وَبَرَةَ بنِ عبد الرحمن، عن عامر بن عبد الله بن الزبير،
عن أبيه
(١) إسناده صحيح. الوليد: هو ابن مسلم
الدمشقي، ومؤمل: هو ابن الفضل الحرَّاني، والأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٨٢٤)
عن العباس بن الوليد، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (١١٢) من طريق أبي
نعيم الفضل بن دكين حدَّثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد.
وانظر ما سلف برقم (٢٠١٧)، وما سيأتي
برقم (٤٥٠٥).
وفي الباب عن أنس عند البخاري (١٠٨).
وعن أبي هريرة عنده أيضًا (١١٠)، وهو
حديث متواتر.
تنبيه: هذا الحديثِ مع كلام أبي عمرو
الاوزاعي الآتي بعده أثبتاهما من «تحفة الأشراف»، ومن هامش (هـ)، وأشار في «تحفة
الأشراف» (١٥٣٨٣) إلى أنهما في رواية أبي الحسن ابن العبد وغيره، ولم يذكرهما أبو
القاسم.
(٢)
رجاله ثقات. وأبو عمرو: هو الأوزاعي، والوليد: هو ابن مسلم.
وهو في رواية أبي الحسن ابن العبد،
ولم يذكره أبو القاسم اللؤلؤي قاله المزي في الأطراف.
قال: قلت للزُّبير: ما يمنعُك أن
تُحدِّثَ عن رسول الله ﷺ كما يُحدِّثُ عنه أصحابُه؟ قال: أما واللهِ لقدْ كان لي
مِنْهُ وَجْهٌ ومَنزِلَةٌ، ولكني سمعتُه يقول: مَن كذَبَ عليَّ مُتعمِّدًا
فليتَبَؤَأ مَقعَدَه من النار» (١).
٥
- باب
الكلام في كتاب الله بغير علم
٣٦٥٢
- حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمد بن يحيى
أبو محمد، حدَّثنا يعقوبُ بنُ إسحاق المقرئ -وهو الحَضْرميُّ- حدَّثنا سهيلُ بن
مِهرانَ أخو حزم القُطَعِىِّ حدَّثنا أبو عِمرانَ عن جُندبٍ، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «مَنْ قال في كتاب الله عز وجل برأيه، فأصابَ فقد أخطأ» (٢).
(١) إسناده صحيح. خالد: هو ابن عبد الله
الواسطي الطحان.
وأخرجه البخاري (١٠٧)، وابن ماجه
(٣٦)، والنسائي في «الكبرى، (٥٨٨١) من طريق جامع بن شداد، عن عامر بن عبد الله بن
الزبير، به.
قال المناوي في»فيض القدير«٦/ ٢١٤
وهذا وعيد شديد يفيد أن ذلك من أكبر الكبائر سيما في الدين وعليه الإجماع، ولا
التفات إلى ما شذَّ به الكرامية من حِلِّ وضع الحديث في الترغيب والترهيب، واقتدى
بهم بعض جهلة المتصوفة فأباحوه في ذلك ترغيبا في الخير بزعمهم الباطل، وهذه غباوة
ظاهرة وجهالة متناهية.
قال ابن جماعة وغيره: وهؤلاء أعظم
الأصناف ضررًا وأكثر خطرًا، إذ لسان حالهم يقول: الشريعة محتاجة لكذا فنكملها.
(٢)
إسناده ضعيف لضعف سهيل بن مهران -وهو سهيل بن أبي حزم- أبو عمران الجوني: هو عبد
الملك بن حبيب.
وأخرجه الترمذي (٣١٨٣)، والنسائي
في»الكبرى، (٨٠٣٢) من طريق سهيل بن أبي حزم مهران، به. وقال الترمذي: هذا حديث
غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم.
وهو في «شرح السنة» للبغوي (١٢٠).
وانظر ما بعده.
٦ - باب تكرير الحديث
٣٦٥٢/
١
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا أبو
عوانة، عن عبد الأعلى، عن سعيد ابن جبير
عن ابن عباس، أن النبي ﷺ قال: «مَنْ
قال في القرآن من غير علم، فليتبوأ مقعده من النار» (١).
(١) إسناده ضعيف لضعف عبد الأعلى -وهو ابن
عامر الثعلبي- أبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليَشْكُري.
وأخرجه أحمد (٢٠٦٩)، والترمذي (٣١٨١)
و(٣١٨٢)، والنسائي في «الكبرى»، (٨٥٣٠) و(٨٠٣١)، بلفظ: «من قال في القرآن بغير علم
-وفي رواية: برأيه- فليتبوأ مقعده من النار» وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وصححه كذلك ابن القطان الفاسي في
«بيان الوهم والايهام» ٥/ ٢٥٣. قلنا: كذا قال الترمذي وابن القطان مع أن في إسناده
عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وهو ضعيف كما سبق، فقد ضعفه يحيى القطان وابن مهدي
وأحمد وأبو زرعة وأبو حاتم.
ثم إن ابن القطان نفسه قد ضعَّف
حديثًا لابن عباس. سلف عند المصنف برقم (٣٢٠٨) بعبد الأعلى الثعلبي، فلا ندري ما
وجه تصحيحه هذا الحديث هنا؟!!
وانظر ما قبله.
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من «تحفة
الأشراف» (٥٥٤٣)، وأشار الحافظ المزي هناك إلى أنه في رواية أبي الحسن ابن العبد،
ولم يذكره أبو القاسم.
قال الطبري: ما كان من تأويل آي
القرآن الذي لا يُدرك علمُه إلا بنص بيان رسول الله ﷺ أو بنصبه الدلالةَ عليه،
فغيرُ جائز لأحد القْيلُ فيه برأيه، بل القائل في ذلك برأيه وإن أصابَ الحقَّ فيه،
فمخطئ فيما كان من فعله بقيله فيه برأيه، لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق،
وإنما هو إصابة خارصٍ وظانٍّ، والقائل في دين الله بالظن قائل على الله ما لا
يعلم، وقد حرَّم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: ﴿قُلْ إِنَّمَا
حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ
وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ
بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
[الأعراف:٣٣]
٣٦٥٣ - حدَّثنا عمرُو بنُ مرزوق، أخبرنا
شعبةُ، عن أبي عَقِيلٍ هاشم بن بلال، عن سابقِ بن ناجية، عن أبي سلاَّم
عن رجلٍ خَدَم النبي ﷺ: أن النبيَّ
ﷺ، كان إذا حدَّث حديثًا أعاده ثلاثَ مرَّات (١).
٧
- باب في
سرد الحديث
٣٦٥٤
- حدَّثنا محمدُ بنُ منصور الطُّوسيُّ،
حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن الزهريِّ، عن عُروة، قال:
جلس أبو هريرة إلى جَنبِ حُجرةِ
عائشة وهي تُصلي، فجعلَ يقول: اسمعي يا ربةَ الحُجرة، مرتين، قال: فلما قضت
صلاتَها قالت: ألا تعجبُ إلى هذا وحديثه، إن كان رسولُ الله ﷺ ليُحدِّث الحديثَ لو
شاء العادُّ أن يُخْصِيَه أحصاه (٢).
(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة سابق
بن ناجية، فلم يرو عنه غير أبي عَقيل هاشم بن بلال، ولم يوثقه غيرُ ابن حبان.
وأخرجه البخاري في «تاريخه» ٤/ ٢٠١
عن عمرو بن مرزوق، بهذا الإسناد.
ويشهد له حديث أنس بن مالك عند
البخاري (٩٤) و(٩٥)، والترمذي (٢٩٢١) أن النبي ﷺ كان إذا سلَّم سلَّم ثلاثًا، وإذا
تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا. وعلل ذلك في رواية البخاري الثانية بقوله: حتى تُفهم
عنه.
قال الحافظ في «الفتح» ١/ ١٨٩: قال
ابن المُنيِّر: نبه البخاري بهذه الترجمة على الرد على من كرِه إعادة الحديث وأنكر
على الطالب الاستعادة، وعده من البلادة، قال: والحق أن هذا يختلِفُ باختلاف
القرائح، فلا عيب على المستفيد الذي لا يحفظ من مرة إذا استعاد، ولا عُذر للمفيد
إذا لم يُعد، بل الإعادة عليه آكدُ من الابتداء، لأن الشروع ملزم. وقال ابنُ
التين: فيه أن الثلاث غاية ما يقع به الاعتذار والبيان.
(٢)
إسناده صحيح. =
٣٦٥٥ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المَهريُّ،
أخبرنا ابنُ وهَبٍ، أخبرني يونسُ، عن ابنِ شهابٍ، أن عُروةَ بن الزبير حدَّثه
أن عائشة زوجَ النبيَّ ﷺ قالت: ألا
يُعجِبُك أبو هريرة؟ جاء فجلس إلى جانب حُجْرتي يُحدث عَنْ رسولِ الله ﷺ يُسمِعُني
ذلك، وكُنتُ أُسَبِّح، فقام قبل أن أقضيَ سُبْحتي، ولو أدركْتُه لردَدْتُ عليه، إن
رسولَ الله ﷺ لم يكنْ يسرُدُ الحديثَ سردَكُم (١).
= وأخرجه البخاري (٣٥٦٧) من طريق سفيان
بن عيينة، بهذا الإسناد.
وأخرجه بنحوه مسلم بإثر (٣٠٠٣) من
طريق سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٨٦٥)، و«صحيح
ابن حبان» (١٠٠) و(٧١٥٣).
وانظر ما بعده.
(١)
إسناده صحيح. يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه مسلم (٢٤٩٣) من طريق عبد الله
بن وهب، بهذا الإسناد.
وعلقه البخاري بصينة الجزم (٣٥٦٨) عن
الليث بن سعد، عن يونس، به.
وأخرجه الترمذي (٣٩٦٨)، والنسائي في
«الكبرى» (١٠١٧٤) من طريق أسامة ابن زيد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: ما
كان رسول الله يسرد سردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام يبينُه فصْلٍ، يحفظه من جلس
إليه. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وانظر ما قبله.
وقولها: ألا يعجبك، ضبطه الحافظ بضم
أوله، وإسكان ثانيه من الإعجاب، وبفتح ثانيه والتشديد من التعجيب.
وقول عائشة: أسبح: أرادت أنها كانت
تتنفل.
وقولها: لو أدركته لرددت عليه، أي:
لأنكرت عليه، وبينت له أن الترتيل في التحديث أولى من السرد، فإنه ﷺ لم يكن يتابع
الحديث استعجالًا بعضه إثر بعض، لئلا يلتبس على المستمع.
٨ - باب التَّوقِّي في الفتيا
٣٦٥٦
- حدَّثنا إبراهيمُ بنُ موسى
الرَّازيُّ، حدَّثنا عيسى، عن الأوزاعيِّ، عن عبدِ الله بن سعْدٍ، عن الصُّنابحي
عن معاوية: أن النبيَّ ﷺ نهى عن
الغَلُوطات (١).
(١) إسناده ضعيف لجهالة عبد الله بن سعْد
-وهو ابن فروة البجلي مولاهم- وقال الساجي: ضعفه أهل الشام. الأوزاعي: هو عبد
الرحمن بن عمرو، وعيسى: هو ابن يونس السبيعي.
وأخرجه سعيد بن منصور (١١٧٩)، وأحمد
(٢٣٦٨٨)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» ١/ ٣٠٥، والآجري في «أخلاق
العلماء» ص ١١٦ - ١١٧، والطبراني في «الكبير» ١٩/ (٨٩٢)، والخطابي في «غريب
الحديث» ١/ ٣٥٤، وتمام في «فوائده» (١١٤ - ١١٦)، والبيهقي في «المدخل» (٣٠٥)،
والخطيب في «الفقيه والمتفقه» ٢/ ١١، وابن عبد البر في «الاستذكار» ٢٧/ ٣٦٥ - ٣٦٦،
وفي «جامع بيان العلم وفضله» ٢/ ١٣٩، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٢٩/ ٤٦، والمزي
في ترجمة عبد الله بن سعد من «تهذيب الكمال» ١٥/ ٢١ من طريق عيسى بن يونس، بهذا
الإسناد.
وانظر تمام تخريجه في «مسند أحمد»
(٢٣٦٨٧) و(٢٣٦٨٨).
قال الخطابي في «غريب الحديث» ١/
٢٥٤: في حديث النبي ﷺ أنه نهى عن الغلوطات: ويُروى الأغلوطات، قال الأوزاعي: هي
صعابُ المسائل، ثم فسر الغُلوطات بأنها جمع غَلوطة، وهي المسألة التي يعيا بها
المسؤولُ، فيغلط فيها، كره ﷺ أن يعترض بها العلماء، فيُغالَطوا ليُستَزَلُّوا
ويُستَنقَطَ رأيُهم فيها. يقال: مسألة غلوط إذا كان يُغلَطُ فيها، كما يقال: شاة
حَلُوب وفرس رَكوب، إذا كانت تُركبَ وتُحلَب، فإذا جعلتها اسمًا زدت فيها الهاء،
فقلت: غَلوطة، كما يقال: حَلُوبة ورَكُوبة، وتُجمع على الغَلُوطات.
والأغلُوطة أُفعولَة من الغلط،
كالأحدوثة والأُحموقة ونحوهما.
قلنا: وهذا منهيٌّ عنه إذا كان
لتبكيت المسؤول أو تذليله، أما إذا كان لتدريب الطلاب وتمرينهم فلا ضير في ذلك،
فقد أدرج البخاري حديث ابن عمر: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل
المسلم، حدثوني ما هي» تحت باب: طرح الإِمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم
من العلم، والنهي الوارد في حديث أبي داود هذا محمول على ما لا نفع فيه أو خرج على
سبيل التعنت.
٣٦٥٧ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا أبو
عبد الرحمن المُقرئ، حدَّثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوبَ- عن بكر بن عمرٍو، عن مسلمِ
بن يسارٍ أبي عثمان، عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «من أُفتِيَ».
وحدَّثنا سليمانُ بنُ داود، أخبرنا
ابنُ وهب، حدَّثني يحيى بن أيوبَ، عن بكرِ بن عَمرو، عن عَمرو بن أبي نُعيمةَ، عن
أبي عثمانَ الطُّنْبُذِيّ رضيعِ عبدِ الملك بن مروان قال:
سمعت أبا هريرة يقولُ: قالَ رسولُ
الله ﷺ: «مَن أُفتيَ بغيرِ عِلمٍ كان إثمُهُ على مَن أفتاهُ -زاد سليمانُ
المَهريُّ في حديثه:- ومَن أشارَ على أخيه بأمرٍ يَعلمُ أنَّ الرُشْدَ في غَيرِهِ
فَقَد خَانَه» وهذا لفظ سليمان (١).
٩
- باب
كراهية منع العلم
٣٦٥٨
- حدَّثنا موسى بنُ إسماعيل، حدَّثنا
حمادٌ، أخبرنا عليُّ بنُ الحَكَمِ، عن عطاء
(١) حديث حسن، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكنه
اختُلف فيه كما ترى فمرة ذُكر فيه عمرو بن أبي نُعيمة، ومرة لم يذكر، وعمرو بن أبي
نعيمة -وقيل: نعمة- مجهول، لكنه متابع.
فقد أخرجه ابن ماجه (٥٣) من طريق أبي
هانىء حميد بن هانىء الخولاني، عن أبي عثمان مسلم بن يسار، عن أبي هريرة. وهذا
إسناد حسن من أجل مسلم بن يسار فهو صدوق حسن الحديث.
وهو في «مسند أحمد» (٨٢٦٦) وانظر
تمام تخريجه والكلام على إسناده عنده.
قال علي القاري في ضبط «أفتي»: على
صيغة المجهول، وقيل: من المعلوم: يعني كل جاهل سأل عالمًا عن مسأله، فأفتاه العالم
بجواب باطل، فعمل السائل بها ولم يعلم بطلانها، فإثمه على المفتي إن قصر في
اجتهاده.
عئ أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «مَن سُئِلَ عَنْ عِلْمِ، فكَتَمَهُ ألْجَمَهُ الله بلِجامٍ من نارٍ يومَ
القيامة» (¬١).
١٠
- باب فضل
نشر العلم
٣٦٥٩
- حدَّثنا زهيرُ بنُ حَرْبٍ وعثمانُ
بنُ أبي شيبةَ، قالا: حدَّثنا جَريرٌ، عن الأعمش، عن عَبدِ الله بن عبد الله، عن
سعيد بنِ جُبير
عن ابنِ عباس، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «تَسمَعُونَ، ويُسمَعُ منكم، ويُسمَعُ ممن يَسمَعُ مِنكُم» (٢).
(١) إسناده صحيح. عطاء: هو ابن أبي رباح،
وعلي بن الحكم: هو البُناني البصري، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦١)، والترمذي
(٢٨٤٠) من طريق علي بن الحكم، به.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٦) من طريق
إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي، عن عبد الله ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي
هريرة. وإسماعيل الكرابيسي حسن الحديث.
وهو في «مسند أحمد» (٧٥٧١)، و«صحيح
ابن حبان»، (٩٥).
قال الخطابي: المعنى أن المُلجِمَ
نفسَه عن قولِ الحق والأخبارِ عن العلم والأظهار له يُعاقب في الآخرةِ بلجامٍ من
نار.
قال: وهذا في العلم الذي يلزمه
تعليمُه إياه، ويتعيَّنُ عليه فرضُه، كمن رأى كافرًا يُريد الإسلامَ، يقول:
علموني، ما الإسلامُ؟ وما الدينُ؟ وكمن يرى رجلًا حديث العهد بالإسلام لا يُحسن
الصلاة -وقد حضر وقتها- يقول: علموني كيف أصلي، وكمن جاء مستغيثًا في حلال أو حرام
يقول: أفتوني وأرشِدُوني، فإنه يلزمُ في مثلِ هذه الأمرر ألا يمنعوا الجوابَ عما
سُئِلُوا عنه مِن العلم، فمن فعل ذلك، كان آثمًا مستحقًا للوعيدِ والعقوبةِ، وليس
كذلك الأمر في نوافلِ العلم التي لا ضرورةَ بالناسِ إلى معرفتها. وسئل الفضيل بن
عياض عن قوله: «طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلم»؟ فقال: كُلُّ عملٍ كان عليك فرضًا،
فطلبُ علمه عليك فرض، وما لم يكن العمل بهِ عليك فرضًا، فليس طلبُ علمه عليك فرض.
(٢)
إسناده صحيح. عَبد الله بن عَبد الله: هو أبو جعفر الرازي قاضي الري.
=
٣٦٦٠ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن
شُعبةَ، حدَّثني عُمَرُ بنُ سليمانَ من ولد عمرَ بنِ الخطّابِ، عن عبدِ الرحمن بن
أبان، عن أبيه
عن زيد بن ثابت، قال: سمعتُ رسولَ
الله ﷺ يقول: «نَضَّرَ الله امرَأً سَمِعَ منَّا حديثًا فحفِظَه حتىِ يُبَلَّغَهُ،
فَرُبَّ حامِلِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ» (١).
= وأخرجه أحمد بن حنبل في «مسنده»
(٢٩٤٥)، والحارث بن أبي أسامة (٥٢ - زوائده) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ٢/
٨ و٨ - ٩ و٩، وابن حبان (٦٢)، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (٩٢)، والحاكم في
«المستدرك» ١/ ٩٥، وفي «معرفة علوم الحديث» ص ٢٧، والبيهقي في «السنن الكبرى» ١٠/
٢٥٠، وفي «دلائل النبوة» ٦/ ٥٣٩، وفي «شعب الإيمان» (١٧٤٠)، والخطيب البغدادي في
«شرف أصحاب الحديث» (٧٠)، وابن عبد البر في «جامع ببان العلم وفضله» ١/ ٤٣،
والقاضي عياض في «الإلماع» ص١٠، وابن خير الاشبيلي في «فهرسته» ص ١٠، وأبو طاهر
السِّلَفي في «مشيخة ابن الحطاب» (٥)، والضياء المقدسي في «المختارة» ١٠/ (١٩٥ -
١٩٨)، والذهبي في «معجم شيوخه» ١/ ١٧٠ - ١٧١ من طرق عن الأعمش، بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم والضياء، وحسنه الذهبي
في «معجم شيوخه»، وكذلك العلائي في «جامع التحصيل» ص ٥١ في كلامه على الأدلة على
رد المرسل، ونقل عن إسحاق بن راهويه أنه قال ما يقتضي تصحيحه لهذا الخبر.
وقوله: «تسمعون ويسمع منكم»: هو خبر
يعني الأمر، أي: لتسمعوا مني الحديث، وتبلِّغوه عني، وليسمعه من بعدي منكم، وهكذا
أداءً للأمانة وإبلاغًا للرسالة.
وقد أدرجه ابن حبان في «صحيحه» تحت
باب: ذكر الإخبار عن سماع المسلمين السنن خَلَفٍ عن سلفٍ.
وأورده الخطيب البغدادي في «شرف
أصحاب الحديث» تحت عنوان: بشارة النبي ﷺ أصحابه بكون طلبة الحديث بعده واتصال
الإسناد بينهم وبينه.
وذكره ابن أبي حاتم تحت باب وصف
النبي ﷺ أن سننه ستنقل وتقبل.
(١)
إسناده صحيح. شعبة: هو ابن الحجاج، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، ومسدَّد: هو ابن
مُسرهَد. =
٣٦٦١ - حدَّثنا سعيدُ بنُ منصورٍ، حدَّثنا
عبدُ العزيز بنُ أبي حازمٍ، عن أبيه
عن سهلٍ -يعني ابن سعْد- عن النبيَّ
ﷺ قال: «واللهِ لأن يُهدَى بهُداكَ رجلٌ واحدٌ خَير لَكَ مِن حُمْرِ النَّعَمِ»
(١).
= وأخرجه الترمذي (٢٨٤٧) من طريق شعبة
بن الحجاج، بهذا الإسناد، وقال: حديث حسن.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٥٩٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٦٧) و(٦٨٠).
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٠) من طريق عبّاد
بن شيبان الأنصاري، عن زيد بن ثابت.
قال الخطابيُّ: قوله: «نضر الله»
معناه: الدعاء له بالنضارة وهي: النعمة والبهجة، يقال: بتخفيف الضاد وتثقيلها،
وأجودُها التخفيف.
وفي قوله: «رب حامل فقه إلى من هو
أفقه منه» دليل على كراهة اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي في الفقه، لأنه إذا فعل
ذلك، فقد قَطَعَ طريقَ الاستنباط والاستدلال لمعاني الكلام من طريق التفهم، وفي
ضمنه وجوبُ التفقه والحث على استنباط معاني الحديث واستخراج المكنون من سِرِّه.
وهذا دعاء من رسول الله ﷺ لمستمع
العلم وحافظه ومبلغه.
(١)
إسناده صحيح. أبو حازم: هو سلمة بن دينار.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٤٧٢)
و(٢٤٧٣).
وأخرجه البخاري (٢٩٤٢)، ومسلم
(٢٤٠٦)، والنسائي في «الكبرى» (٨٠٩٣) و(٨٣٤٨) و(٨٥٣٣) من طريق أبي حازم سلمة بن
دينار، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٨٢١)، و«صحيح
ابن حبان» (٦٩٣٢).
وقوله: خير لك من حمر النعم. النعم
بفتحتين واحد الأنعام، وهي الأموال الراعية، وأكثر ما يقع على الإبل، ومعنى حمر
النعم، أي: أقواها وأجلدها، والإبل الحمر هي أنفس أموال العرب كانوا يتفاخرون بها.
وفي قوله: فوالله لأن يهدي الله بك
رجلًا. يؤخذ منه أن تالُّفَ الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله.
قال في «بذل المجهود»: لو دللت أحدًا
على الإسلام أو العلم، فحصل له الإسلام أو العلم بهدايتك له، فما حصل لك به من
الأجر والثواب خير لك من حُمْرِ النعم.
١١ - باب الحديث عن بني إسرائيل
٣٦٦٢
- حدَّثنا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا علي بنُ مُسهرٍ، عن محمد بنِ عمرٍو، عن أبي سَلَمة عن أبي هريرة، قال: قال
رسولُ الله ﷺ: «حَدِّثُوا عن بني إسرائيلَ ولا حَرَج» (١).
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل محمد
بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي- وهو في «مصنف ابن أبي شيبة» ٩/ ٦٢.
وأخرجه الشافعي في «مسنده» ١/ ١٧،
والحميدي (١١٦٥)، وأحمد (١٠١٣٠)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (١٣٥)، وابن حبان
(٦٢٥٤) من طرق عن محمد ابن عمرو، به.
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن
العاص عند البخاري (٣٤٦١)، وأحمد (٦٤٨٦)، والترمذي (٢٨٦٠) و(٢٨٦١).
وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد
(١١٤٢٤)، والنسائي في «الكبرى» (٥٨١٧)، وأبي يعلى (١٢٠٩).
قال الخطابي: ليس معناه إباحةَ
الكذبِ في أخبار بني إسرائيل، ورفع الحرج عمن نقل عنهم الكذب، ولكن معناه الرخصة
في الحديث عنهم على معنى البلاغ وإن لم يتحقق صحة ذلك بنقل الإسناد، وذلك لأنه أمر
قد تعذَّر في أخبارهم لبعد المسافة وطول المدة، ووقوع الفترة بين زماني النبوة.
وفيه دليل على أن الحديث لا يجوز عن
النبي ﷺ إلا بنقل الإسناد والتثبت فيه.
وقد روى الدراوردي هذا الحديث عن
محمد بن عمرو بزيادة لفظة دل بها على صحة هذا المعنى، ليست في رواية علي بن مُسهر
التي رواها أبو داود عن أبي هريرة.
ومعلوم أن الكذب على بني إسرائيل لا
يجوز بحال، فإنما أراد بقوله: «وحدثوا عني ولا تكذبوا علي» أي: تحرَّزوا من الكذب
عليٍّ، بأن لا تحدثوا عني إلا بما يصح عندكم من جهة الإسناد الذي به يقع التحرز عن
الكذب عليٍّ.
وقد سلف أن قلنا في التعليق على
الحديث (٣٦٤٤): إن هذا خاص بما هو مسكوت عنه في شريعتنا لا هو مما علمنا صحته مما
بأيدينا مما يشهد له بالصدق، ولا هو مما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه فانظره.
٣٦٦٣ - حدَّثنا محمدُ بنُ المُثنَّى،
حدَّثنا معاذٌ، حدَّثني أبي، عن قتادةَ، عن أبي حسان
عن عبد الله بن عمرو، قال: كان نبيُّ
الله ﷺ يُحدِّثنا عن بني إسرائيلَ حتى يُصبحَ، ما يقومُ إلا إلى عُظمِ صلاة
(¬١).
١٢
- باب في
طلب العلم لغير الله عز وجل
٣٦٦٤
- حدَّثنا أبو بكر بنُ أبي شَيبةَ،
حدَّثنا سُرَيجُ بن النُّعمان، حدَّثنا فُلَيحٌ، عن أبي طُوالةَ عبد الله بن عبدِ
الرحمن بن مَعمرٍ الأنصاريِّ، عن سعيد ابن يَسارٍ
(١) إسناده صحيح. أبو حسان: هو مسلم بن عَبد
الله الأعرج، ومعاذ: هو ابن هشام بن أبي عبد الله الدَّسْتُوائي.
وأخرجه أحمد (١٩٩٢٢)، وابن خزيمة
(١٣٤٢)، وابن حبان (٦٢٥٥) من طريقين عن قتادة، به.
وأخرجه أحمد (١٩٩٢١)، والبزار في
«مسنده» (٣٥٩٦)، وابن خزيمة (١٣٤٢)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار، (١٣٧)،
والطبراني في»الكبير«١٨/ (٥١٠)، وابن عدي في»الكامل«٦/ ٢٢٢١، والحاكم ٢/ ٣٧٩ من
طريق أبي هلال الراسبي، عن قتادة، عن أبي حسان، عن عمران بن حصين. فجعله من مسند
عمران بن حصين. وأبو هلال الراسبي لين الحديث.
قوله: عُظْم صلاة، قال ابن الأثير:
عُظْمُ الشيء: أكبُره، كأنه أراد لا يقوم إلا إلى الفريضة.
وجاء في»بذل المجهود" ١٥/ ٣٤٨ -
٣٤٩ ما نصه: كتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه رضي الله عنه قوله:
يحدثنا عن بني إسرائيل: إن كان جلوسه قبل التهجد، فالمراد بعُظْم الصلاة: التهجد،
وإن كان بعده فهي صلاة الفجر، ولم يثبت أنه ﷺ ذكرهم ليلة كاملة حتى يحمل الجلوس
على كونه من أول الليل، والمقصود بإيراد الرواية غلوه فيه، وإطالة حديثهم إذا
تضمنت مواعظ ومسائل.
عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«مَن تعلَّم علمًا مما يُبتَغَى به وجهُ الله عز وجل لا يتعلَّمُه إلا ليُصيبَ به
عَرَضًا من الدُّنيا لم يَجِدْ عَرْفَ الجنةِ يومَ القيامة» يعني ريحَها
(¬١).
١٣
- باب في
القَصَص
٣٦٦٥
- حدَّثنا محمودُ بنُ خالدٍ، حدَّثنا
أبو مُسهِرٍ، حدَّثني عبّادُ بن عبَّاد الخَوَّاصُ، عن يحيى بن أبي عَمرو
السَّيباني، عن عمرو بن عبد الله الشَّيباني
عن عَوف بن مالك الأشجعي، قال: سمعتُ
رسولَ الله ﷺ يقول: «لا يَقُصُّ إلا أميرٌ أو مأمورٌ أو مختالٌ» (٢).
(١) حديث صحيح لغيره، فليح -وهو ابن سليمان-
وإن تُكلِّم فيه، يعتبر به في المتابعات والشواهد، وباقي رجاله ثقات. وقد سكت عبد
الحق الإشبيلي عن هذا الحديث مصححًا له.
وهو في «مصنف ابن أبي شيبة» ٨/ ٧٣١،
وعنه ابن ماجه (٢٥٢).
وهو في «مسند أحمد» (٨٤٥٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٧٨).
ويشهد له حديث عبد الله بن عُمر عند
الترمذي (٢٨٤٦)، وابن ماجه (٢٥٨)، والنسائي في «الكبرى» (٥٨٧٩)، ولفظه: «من تعلم
علمًا لِغير الله، أو أراد به غيرَ الله، فليتبوأ مقعده من النار، وحسنه الترمذي،
وصححه ابن القطان في»الوهم والايهام«٥/ ٢١٧ مع أن راويه عن ابن عمر خالدُ بن
دُرَيك، ولم يدركه.
وحديث جابر عند ابن حبان (٧٧):»لا
تعلَّموا العِلْمَ لِتباهوا به العلماءَ، ولا تُماروا به السُّفهاء، ولا
تَخَّيرُوا به المجالسَ، فَمَن فَعَلَ ذلك، فالنار النار".
(٢)
حديث صحيِح. وهذا إسناد خالف فيه إبراهيمُ بن أبي عبلة، وهو ثقة من رجال الشيخين
عبادَ بن عباد الخَوّاص، وهو أقل رُتبة من إبراهيم، فأسقط من إسناده عمرو بن عَبد
الله السَّيباني، وبذلك يترجح في هذا الإسناد أنه منقطع، لأن يحيى بن أبي عمرو
السيباني لم يسمع من الصحابة. لكن روي الحديث من وجوه أخرى حسنة يرتقي بها إلى
درجة الصحيح، والله تعالى أعلم. أبو مُسْهِر: هو عبد الأعلى بن مُسْهِر.
=
٣٦٦٦ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا جعفرُ بنُ
سليمانَ، عن المُعلَّى بن زياد، عن العلاء بن بَشير المُزنيِّ، عن أبي الصِّدِّيق
الناجيّ
عن أبي سعيدٍ الخدري، قال: جلستُ في
عصابة من ضعفاءِ المُهاجرين، وإن بَعضَهم ليستَتِرُ ببعضٍ من العُرْيِ، وقارئٌ
يقرأ علينا، إذ جاء رسولُ الله ﷺ، فقام علينا، فلما قام رسولُ الله ﷺ سكَت
القارئُ، فسلم، ثم قال: «ما كُنتُم تصنعون؟» قلنا: يا رسولَ الله،
= وأخرجه ابن قانع في «معجم الصحابة»
٢/ ٣٠٥، والطبراني في «الكبير» ١٨/ (١٢١). وفي «الشاميين» (٦١) و(٨٥٥) من طريق
إبراهيم بن أبي عبلة، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عوف بن مالك.
وأخرجه عبد الله بن وهب في «جامعه»
(٥٦٥)، وأحمد (٢٣٩٧٤)، والبخاري في «تاريخه»الكبير«، تعليقًا ٣/ ٢٦٦،
والطبراني»الكبير«١٨/ (١١٤)، من طريق أزهر بن سعيد، عن ذي الكلاع، عن عوف بن مالك.
وهذا إسناد حسن.
وأخرجه أحمد (٢٤٠٠٥)، وعمر بن شبة
في»تاريخ المدينة«١/ ٨، والبزار في»مسنده«(٢٧٦٢)، والطبراني في»الكبير«١٨/ (١٠٠)
من طريق صالح بن أبي عَريب، عن كثير بن مرة، عن عوف بن مالك. وهذا إسناد حسن أيضًا.
وأخرجه البخاري في»تاريخه الكبير«٨/
٣٢٩، والطبراني في»الكبير«١٨/ (١١٢)، وفي»الشاميين«(١١٩٤) من طريق يزيد بن خمير،
عن عوف بن مالك.
وإسناده جيد.
وانظر تمام تخريجه في»مسند
أحمد«(٢٣٩٧٢).
القص: التحدث بالقصص، ويستعمل في
الوعظ.
قال الطيبي: قوله:»لا يقص" ليس
بنهي، بل هو نفي، وإخبارٌ أن هذا الفعل ليس بصادر إلا مِن هؤلاء: للأمير وهو
الإِمام، والمأمور: وهو المأذون له في ذلك من الإمام، والمختال: المفتخر المتكبر
الطالب للرياسة، وفي رواية: أو مرائي، قال المناوي: سماه مرائيا، لأنه طالب
للرياسة متكلف ما لم يكلفه الشارع حيث لم يؤمر بذلك، لأن الإمام نصب للمصالح، فمن
رآه لائقًا نصبه للقص، أو غير لائق، فلا.
كان قارئ لنا يقرأ علينا، فكنا
نستمعُ إلى كتاب الله عز وجل، قال: فقال رسولُ الله ﷺ: «الحمدُ لله الذي جَعَلَ من
أمَتي من أمِرتُ أن أصْبِر نفسي معهم»، قال: فجلَس رسولُ الله ﷺ وَسْطَنَا
ليَعدِلَ بنفسِه فينا، ثم قال بيده هكذا، فتحلَّقوا، وبرزَت وجوهُهُم له، قال: فما
رأيتُ رسولَ الله ﷺ عَرَفَ منهم أحدًا غيري، فقال رسولُ الله ﷺ: أبشِرُوا يا
مَعشَرَ صَعَاليكِ المهاجرين بالنورِ التامِّ يومَ القيامة، تدخُلُونَ الجنةَ قبلَ
أغنياءِ الناسِ بنصفِ يومٍ، وذاك خمسُ مِئة سنة«(١).
٣٦٦٧ حدَّثنا
محمدُ بنُ المُثنَّى، حدَّثني عبدُ السلام -يعني ابن مُطَهَّر أبو ظفر- حدَّثنا
موسى بنُ خَلَفِ العَمَّي، عن قتادةَ
عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسولُ
الله ﷺ:»لأن أقعُدَ مع قومِ يذكرون الله من صلاةِ الغَدَاةِ حتَّى تطلعَ الشمسُ
أحَبُّ إليَّ من أن
(١) إسناده ضعيف لجهالة العلاء بن بشير. أبو
الصدِّيق الناجي: هو بكر بن عَمرو. وأخرجه أحمد (١١٩١٥)، وأبو يعلى (١١٥١)
و(١٣١٧)، والطبراني في «الأوسط» (٨٨٦٦)، والبيهقى في «شعب الإيمان» (١٠٤٩٢)، وفي
«دلائل النبوة» ١/ ٣٥١ - ٣٥٢، والبغوي في «تفسيره» ٢/ ١٠٠ من طريق المعلى بن زياد،
بهذا الإسناد.
وأخرج ابن ماجه (٤١٢٣)، والترمذي
(٢٥٠٨) من طريق عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ قال: «إن فقراء
المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بمقدار خمس مئة سنة» وقال الترمذي: حديث حسن
غريب.
ولهذه القطعة الأخيرة شاهد من حديث
أبي هريرة عند أحمد (٧٩٤٦) و(١٠٦٥٤) وابن ماجه (٤١٢٢)، والترمذي (٢٥١٠) و(٢٥١٢)،
والنسائي في «الكبرى» (١١٢٨٥) وإسناد أحمد في الموضع الثاني صحيح، والإسناد عند
الباقين حسن.
ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
عند أحمد (٦٥٧٨)، ومسلم (٢٩٧٩)، والنسائي في «الكبرى» (٥٨٤٥) لكن بلفظ: «بأربعين
خريفا».
أُعتقَ أربعةً من وَلَد إسماعيل،
ولأن أقعُد مع قومِ يذكرون الله من صلاةِ العصرِ إلى أن تغرُب الشمسُ أحبُّ إليَّ
من أن أُعتِق أربعةً» (١).
(١) إسناده حسن من أجل موسى بن خلف العمي،
فهو صدوق حسن الحديث.
وأخرجه الطبراني في «الدعاء» (١٨٧٨)
والبيهقي في «شعب الإيمان» (٥٦١) من طريقين عن موسى بن خلف، به.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» ٨/
٧٩، وفي «شعب الإيمان» (٥٦٢) من طريق موسى، بن خلف، عن قتادة، عن أنس، ويزيد
الرقاشي عن أنس رفعه: «لأن اجلس مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة إلى أن تطلع
الشمس أحب إلى مما طلعت عليه الشمس، ولأن أجلس مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر
إلى صلاة المغرب أحب إلى من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل، دية كل رجل منهم اثنا
عشر ألفًا» قلنا: هذا لفظ حديث يزيد الرقاشي. ذلك أن البيهقي أخرجه من طريقه وحده
في «السنن الكبرى» ٨/ ٣٨، وفي «شعب الإيمان» (٥٦٠) بهذا اللفظ. ويزيد الرقاشي ضعيف
الحديث.
وأخرجه مختصرًا بذكر الجلوس من العصر
إلى غروب الشمس ابنُ السني في «عمل اليوم والليلة» (٦٧٠) من طريق المعلى بن زياد،
عن يزيد الرقاشي، عن أنس.
وهو عند البيهقي في «شعب الإيمان»
(٥٦٣) بإسقاط يزيد الرقاشي من إسناده، والصحيح إثباته كما في رواية ابن السني.
وأخرجه ابن عدى في «الكامل» ٧/ ٢٦٧٤،
والبيهقي في «الشعب» (٥٥٩) من طريق يحيى بن عيسى الرملى، عن الأعمش، عن أنس بن
مالك. إلا أنه قال: «أحب إلىَّ من الدنيا وما فيها» في الوقتين كليهما. ويحيى بن
عيسى ضعيف، والأعمش لم يسمع من أنس فيما نص عليه ابنُ المديني والبخاري وابن معين
وغيرهم.
وأخرج الترمذي (٥٩٣) من طريق أبي
ظلال هلال بن أبي هلال، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «من صلَّى الغداة في
جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلَّى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة»،
قال: قال رسول الله ﷺ: «تامة تامة تامة». قال الترمذي: حديث حسن غريب.
٣٦٦٨ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا حفصُ بنُ غياثٍ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، عن عَبيدَة
عن عبدِ الله، قال: قال لي رسول الله
ﷺ: اقرأ عليَّ سورةَ النساء» قال: قلت: أقرأُ عليكَ وعليكَ أُنزلَ؟ قال: «إني
أحبُّ أن أسمعه من غيري» قال: فقرأتُ عليه، حتى إذا انتهيتُ إلى قوله: ﴿فَكَيْفَ
إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ [النساء:٤١] فرفَعْتُ رأسي فإذا
عيناه تَهْمُلان (١).
آخر كتاب العلم
(١) إسناده صحيح. عبد الله: هو ابن مسعود،
وعَبيدة: هو ابن عَمرو السَّلْماني، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، والأعمش: هو
سليمان بن مهران.
وأخرجه البخاري (٤٥٨٢) و(٥٠٥٥)،
ومسلم (٨٠٠)، والترمذي (٣٢٧٣) و(٣٢٧٤)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٢١) و(٨٠٢٤)
و(٨٠٢٥) و(١١٠٣٩) من طريق سليمان الأعمش، بهذا الإسناد. وجاء عند البخاري ومسلم في
بعض طرقه والنسائي (٨٠٢٥) قال الأعمش: وبعضُ الحديث عن عمرو بن مرة قلنا: يعني عن
إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود، كما جاء موضحًا في رواية مسلم، وكما بينه
الحافظ ابن حجر في «الفتح» ٩/ ٩٨ - ٩٩. ورواية النخعي عن ابن مسعود محمولة على
الاتصال، كما بينه الحافظ ابن رجب في «شرح»العلل«» ١/ ٢٩٤ - ٢٩٥.
وأخرجه ابن ماجه (٤١٩٤)، والترمذي
(٣٢٧٢)، والنسائي في «الكبرى» (٨٠٢٢) من طريق أبي الأحوص، عن الأعمش، عن إبراهيم،
عن علقمة، عن ابن مسعود وهذه الرواية وهم فيها أبو الأحوص فيما قاله الترمذي وأبو
حاتم في «العلل» ٢/ ٧١، وكذا الدارقطني في «علله» ٥/ ١٨١.
وأخرجه النسائي (٨٠٢٣) من طريق عاصم
بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود.
وهو في «مسند أحمد» (٣٥٥٠) و(٣٦٠٦)،
و«صحيح ابن حبان» (٧٣٥).