recent
آخر المقالات

أول كتاب الأقضية

 

١ - باب في طلب القضاء
٣٥٧١ - حدَّثنا نصْر بن عليٍّ، أخبرنا فُضَيل بن سليمان، حدَّثنا عمرو بن أبي عَمرو، عن سعيد المقبُريِّ
عن أبي هريرة: أن رسولَ الله ﷺ قال: «مَن وَلِيَ القضاءَ فقد ذُبِحَ بغير سِكِّين» (١).



(١) حديث قوي، وهذا إسناد حسن في المتابعات من أجل فضيل بن سليمان، فهو ضعيف يعتبر به، وقد توبع. سعيد المقبري: هو ابن أبي سعيد كيسان. وسيأتي بعده من طريق آخر بسند حسن.
وأخرجه الترمذي (١٣٧٤) من طريق فضيل بن سليمان، بهذا الإسناد. وقال: حديث حسن غريب.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٨٩٢) من طريق داود بن خالد العطار، عن سعيد المقبري، به. وداود العطار في عداد المجهولين.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٤٥).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: معناه التحذيرُ من طلب القضاء، والحِرص عليه، يقول: من تَصَدَّى للقضاء، فقد تَعَرَّض للذبح، فليحذَرْهُ وليتوقَةْ.
وقوله: «بغير سكين» يحتمل وجهين: أحدُهما: أن الذبحَ إنما يكون في ظاهر العُرف بالسكين، فعدل به عليه السلام عن غير ظاهر العُرف، وصرفه عن سَنَن العادة إلى غيرها، ليعلم أن الذي أراده بهذا القول إنما هو ما يُخاف عليه من هلاك دينه دونَ هلاك بدنه.
والوجه الآخر: أن الذبح -هو الوجءُ الذي يقع به إزهاقُ الروح، وإراحةُ الذبيحة، وخلاصها من طول الألم وشدته- إنما يكون بالسكين، لأنه يُجهز عليه، وإذا ذبح بغير السكين كان ذبحه خنقا وتعذيبًا، فضرب الثل في ذلك ليكون أبلغ في الحذر والوقوع فيه.

٣٥٧٢ - حدَّثنا نصرُ بنُ على، أخبرنا بِشرُ بنُ عُمرَ، عن عبدِ الله بن جعفر المَخْرَمي، عن عثمانَ بن محمد الأخنسيِّ، عن المقبُري والأعرج
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «مَن جُعِلَ قاضيًا بين النَّاس فقد ذُبِحَ بغيرِ سِكين» (١).

٢ - باب القاضي يُخطئ
٣٥٧٣ - حدَّثنا محمدُ بنُ حسّان السَّمتيُّ، حدَّثنا خلفُ بن خليفة، عن أبي هاشم، عن ابن بُريدةَ
عن أبيه، عن النبي ﷺ قال: «القُضاةُ ثلاثة: واحِدٌ في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجلٌ عَرفَ الحقَّ فقَضَى به، ورَجُلٌ عرف الحقَّ فجار في الحكم، فهو في النار، ورَجُلٌ قضى للنَّاس على جهلٍ، فهو في النار» (٢).


(١) إسناده قوي من أجل عثمان بن محمد الأخنسي، فهو صدوق لا بأس به.
الأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز، والمقبري: هو سعيد بن أبي سعيد، وعبد الله بن جعفر: هو المَخْرَمي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٠٨)، والنسائي في «الكبرى» (٥٨٩٥) من طريق عبد الله ابن جعفر المَخْرمي، والنسائي (٥٨٩٣) من طريق ابن أبي ذئب، و(٥٨٩٤) من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي هند، ثلاثتهم عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن سعيد المقبري وحده، عن أبي هريرة. وقد تحرف اسم عثمان في رواية ابن أبي هند عند النسائي إلى: محمد بن عثمان، فقال النسائي: الصواب عثمان بن محمد. وجاء بإثر رواية عبد الله بن جعفر عند النسائي: قال أبو سلمة -أحد رواة الحديث عنده وهو منصور بن سلمة الخزاعي-: وقد ذكره مرة أو مرتين عن الأعرج والمقبري.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٤٥) و(٨٧٧٧).
وانظر ما قبله.
(٢) حديث صحيح بطرقه وشواهده، خلف بن خليفة -وإن كان قد اختلط- قد توبع. ابن بريدة: هو عبد الله، وأبو هاشم: هو الرُّمَّاني. =

قال أبو داود: وهذا أصحُّ شيء فيه، يعني حديث ابن بُريدة: «القضاة ثلاثة» (١).


= وأخرجه ابن ماجه (٢٣١٥)، والنسائي في الكبرى، (٥٨٩١) من طريق خلف ابن خليفة، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (١٣٢٢ م) من طريق سعْد بن عبيدة، عن ابن بريدة، به.
وسنده حسن في المتابعات.
وأخرجه محمد بن خلف وكيع في «أخبار القضاة» ١/ ١٥ من طريق داود بن عبد الحميد الكوفي، عن يونس بن خباب، ووكيع ١/ ١٥، والحاكم في المستدرك، ١/ ٩٠ من طريق عبد الله بن بكير الغنوي، عن حكيم بن جبير، والحاكم في «معرفة علوم الحديث» ص ٩٨، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٢٧/ ١٣٧ من طريق أبي حمزة السكري، وابن عساكر ٢٧/ ١٣٦، وابن طولون في «الأحاديث المئة في الصنائع» (٩٢) من طريق خاقان بن عبد الله بن الأهتَم، عن يونس بن عبيد، أربعتهم عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه.
وأسانيدها كلها ضعيفة، لكن بمجموعها يتقوى الحديث.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (١١٥٦) من طريق قيس بن الربيع، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه. وقيس -وإن كان ضعيفًا- تابعه أبو حنيفة الإِمام كما في «أطراف الغرائب والأفراد» ثم بمتابعة الباقين عن عبد الله بن بريدة يرتقي الحديث إلى رتبة الصحيح.
وفي الباب عن عبد الله بن عُمر عند أبي يعلى ١/ ٢٦٥، والطبراني (٣٣١٩)، وابن حبان (٥٠٥٦)، ومحمد بن خلف في «أخبار القضاة» ١/ ١٦ - ١٧ و١٧ - ١٨. وإسناده ضعيف.
وعن علي بن أبي طالب موقوفًا عند ابن أبي شيبة ٧/ ٢٣٠، ومحمد بن خلف ١/ ١٨، وأبي القاسم البغوي في «الجعديات» (١٠٢٤)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» ٢/ ٧١. وسنده صحيح.
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هاش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها في رواية أبي عيسى الرملي وابن الأعرابى.

٣٥٧٤ - حدَّثنا عُبيدُ الله بنُ مَيسرةَ، حدَّثنا عبدُ العزيز -يعني ابنَ محمدٍ- أخبرني يزيدُ بنُ عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن بُسْرِ بنِ سعيد، عن أبي قيسٍ -مولى عمرو بن العاص-
عن عمرو بن العاص، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إذا حَكم الحاكِمُ، فاجتهَدَ فأصابَ، فله أجران، وإذا حَكَم فاجتَهَدَ، فأخطأ، فله أجرٌ» فحدَّثْتُ به أبا بكر ابنَ حزم، فقال: هكذا حدَّثني أبو سلمة عن أبي هريرة (١).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل عبد العزيز بن محمد -وهو الدراوردي- فهو صدوق لا بأس به، وهو متابع. عُبيد الله بن ميسرة: هو ابن عمر بن ميسرة، نسب هنا إلى جده.
وأخرجه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦)، وابن ماجه (٢٣١٤)،والنسائي في «الكبرى» (٥٨٨٧) و(٥٨٨٨) من طريق يزيد بن عبد الله بن الهاد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٧٧٤) و(١٧٨٢٠)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠٦١).
وأخرج حديث أبي هريرة وحده الترمذي (١٣٧٥)، والنسائي في «المجتبى» (٥٣٨١) من طريق يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن حزم، به.
وهو في «صحح ابن حبان» (٥٠٦٠)، و«شرح مشكل الآثار» (٥٣). وعلقه البخاري بإثر الحديث (٧٣٥٢) عن عبد العزيز بن المطلب، عن أبي بكر ابن حزم، عن أبي سلمة مرسلًا.
وقوله: فحدثتُ به أبا بكر بن حزم. القائل فحدثت هو يزيد بن عبد الله بن الهاد.
قال الإِمام الخطابي: قوله إذا حكم الحاكم فاجتهد فأخطأ فله أجر، إنما يؤجر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق، لأن اجتهاده عبادة ولا يُؤجر على الخطأ، بل يوضع عنه الإثم فقط، وهذا فيمن كان من المجتهدين جامعًا لآلة الاجتهاد، عارفًا بالأصول ووجوه القياس، فأما من لم يكن محلًا للاجتهاد، فهو متكلف ولا يعذر بالخطأ في الحكم، بل يخاف عليه أعظم الوزر. وفيه من العلم أنه ليس كل مجتهد مصيبًا، ولو كان كل مجتهد مصيبًا، لم يكن لهذا التفسير معنى، وإنما يعطي هذا أن =

٣٥٧٥ - حدَّثنا عباسٌ العنبريُّ، حدَّثنا عُمَرُ بن يونس، حدَّثنا ملازمُ بنُ عَمرو، حدَّثني موسى بنُ نَجدةَ، عن جدِّه يزيدَ بن عبد الرحمن -وهو أبو كثير- قال:
حدَّثني أبو هريرة، عن النبيّ ﷺ قال: «من طَلَبَ قضاءَ المسلمين حتَّى ينالَه، ثم غَلَبَ عدلُه جَورَهُ فله الجنةُ، ومن غلب جَورهُ عَدلَهُ فله النارُ» (١).
٣٥٧٦ - حدَّثنا إبراهيمُ بنُ حمزةَ بن أبي يحيى الرمليُّ، حدَّثنا زيدُ بن أبي الزرقاء، حدَّثنا ابنُ أبي الزناد، عن أبيه، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبةَ.
عن ابنِ عباسٍ قال: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ إلى قوله: ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٤ - ٤٧] هؤلاء الآياتُ الثلاثُ نزلت في اليهود خاصةً في قُريظة والنَّضير (٢).


= كل مجتهد معذور لا غير، وهذا إنما هو في الفروع المحتملة للوجوه -المختلفة دون الأصول التي هي أركان الشريعة وأمهات الأحكام التي لا تحتمل الوجوه ولا مدخل فيها للتأويل، فإن من أخطأ فيها كان غير معذور في الخطأ، وكان حكمه في ذلك مردودًا. وانظر لزامًا «شرح السنة»١٠/ ١١٥ - ١٢٢.
(١) إسناده ضعيف لجهالة موسى بن نجدة. عباس العَنْبري: هو ابن عبد العظيم.
وأخرجه البيهقي ١٠/ ٨٨ من طريق المصنف بهذا الإسناد.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل ابن أبي الزناد -وهو عبد الرحمن- لكنه متابع.
وأخرجه سعيد بن منصور -قسم التفسير من «سننه»- (٧٥٠)، وأحمد (٢٢١٢)، والطبراني (١٠٧٣٢) من طريق ابن أبي الزناد، بهذا الإسناد. ورواية أحمد مطولة.
وفيها أن الآيات التي نزلت فيهم هي الآيات (٤١ - ٤٧) من سورة المائدة. =

٣ - باب طلب القضاء والتسرع إليه
٣٥٧٧ - حدَّثنا محمدُ بنُ العلاء ومحمدُ بن المثنَّى، قالا: حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمش، عن رجاء الأنصاري
عن عبد الرحمن بن بشر الأنصاري الأزرق، قال: دخل رجلان من أبواب كندة، وأبو مسعود الأنصاري جالسٌ في حَلْقة، فقالا: ألا رجل ينفِّذ بيننا، فقال رجل من الحلقة: أنا، فأخذ أبو مسعود كفًّا من حصًى فرماه به، وقال: مَهْ، إنه كان يُكْرَهُ التسرعُ إلى الحكم (١).


= وأخرجه الطبري ٦/ ٢٥٤ - ٢٥٥ من طريق عبد الله بن وهب، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عُبيد الله بن عبد الله مرسلًا.
وأخرجه بنحوه ابن إسحاق -كما في «سيرة ابن هشام»- ٢/ ٢١٥، ومن طريقه أخرجه أحمد (٣٤٣٤)، والنسائي (٤٧٣٣)، والطبري ٦/ ٢٤٣، والطبراني في «الكبير» (١١٥٧٣)، وفي «الأوسط» (١١٠٢) عن داود بن الحُصين، عن عكرمة، عن ابن عباس. وسيأتي عند المصنف برقم (٣٥٩١).
وبمجموع هذين الطريقين يصح الحديث إن شاء الله.
وانظر ما سيأتي أيضًا عند المصنف برقم (٤٤٩٤).
(١) إسناده ضعيف لجهالة رجاء الأنصاري. الأعمش: هو سليمان بن مهران، وأبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير.
وأخرجه أبو خيثمة زهير بن حرب في «العلم» (١١)، والبيهقي ١٠/ ١٠١ من طريق أبي معاوية الضرير، بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي ١٠/ ١٠٠ من طريق سفيان الثوري، عن الأعمش، به.
قال المناوي في «فيض القدير» في قوله ﷺ: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار»: ١/ ١٥٨ - ١٥٩: «أجرؤكم على الفتيا» أي: أقدمكم على إجابة السائل عن حكم شرعي من غير تثبت وتدبُّر، والافتاء بيان حكم المسألة. «أجرؤكم على النار» أي: أقدمكم على دخولها، لأن المفتي مبين عن الله حكمه، فإذا أفتى على جهل أو =

٣٥٧٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثير، أخبرنا إسرائيلُ، حدَّثنا عبدُ الأعلى، عن بلالٍ عن أنس بن مالك، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: من طلبَ القضاءَ واستعانَ عليه وُكِلَ إليه، ومن لم يطلبه، ولم يستعِنْ عليه، أنزل الله مَلَكًا يُسَدِّدُهُ» (١).


= بغير ما علمه أو تهاون في تحريره أو استنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجرأته على المجازفة في أحكام الجبار ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس:٥٩] قال الزمخشري: كفى بهذه الآية زاجرة زجرًا بليغًا عن التجوز فيما يُسال من الأحكام، وباعثةٌ على وجوب الاحتياط فيها، وأن لا يقول أحدٌ في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إتقان وإيقان، ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت، وإلا فهو مفترٍ على الله تعالى.
(١) إسناده ضعيف لضعف عبد الأعلى -وهو ابن عامر الثعلبي- وقد روى الحديث أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، عن عبد الأعلى، فزاد في الإسناد خيثمة بن أبي خيثمة بين بلال وأنس. قال الترمذي: وهو أصح من حديث إسرائيل، عن عبد الأعلى.
قلنا: وخيثمة ضعيف أيضًا. بلال: هو ابن أبي موسى مرداس الفزَاري، وإسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٠٩)، والترمذي (١٣٧٢) من طريق إسرائيل، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (١٣٧٣) من طريق أبي عوانة، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن بلال بن مِرداس، عن خيثمة -وهو البصري-، عن أنس. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى.
وفي الباب عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «يا عبد الرحمن ابن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتَها عن مسألة وُكلْتَ إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أُعِنْتَ عليها» أخرجه البخاري (٦٦٢٢)، ومسلم (١٦٥٢).
وعن عائشة مرفوعًا: «من ولي منكم عملًا، فأراد الله به خيرًا، جعل له وزيرًا صالحًا، إن نَسِيَ ذكَّره، وإن ذكر أعانه» سلف عند المصنف برقم (٢٩٣٢) وهو حديث صحيح.

وقال وكيعٌ: عن إسرائيلَ، عن عبد الأعلى، عن بلال بن أبي موسى، عن أنس عن النبيَّ ﷺ. وقال أبو عوانة: عن عبد الأعلى عن بلال بن مرداسِ الفَزاريِّ، عن خَيثمةَ البصري، عن أنس (١).
٣٥٧٩ حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبلِ، حدَّثنا يحيى بنُ سعيد، حدَّثنا قُرَّة بنُ خالد، حدَّثنا حُميد بن هلال، حدَّثني أبو بردة قال:
قال أبو موسى: قال النبيَّ ﷺ: «لن نَستعمِلَ -أو لا نَستَعمِلُ- على عملنا مَن أرادَه» (٢).


(١) مقالة أي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ).
(٢) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٢٢٦١)، ومسلم بإثر الحديث (١٨٢٣)، والنسائي (٤) من طريق يحيى بن سعيد القطان، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٦٦٦)، و«صحيح ابن حبان» (١٠٧١).
وأخرجه البخاري (٧١٤٩)، ومسلم بإثر (١٨٢٣) من طريق أبي أسامة، عن بُريد ابن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، به.
وهو في «صحيح ابن حبان»، (٤٤٨١).
وسيتكرر بأطول مما هنا برقم (٤٣٥٤).
وانظر ما سلف برقم (٢٩٣٠).
قال المناوي في «»فيض القدير«٢/ ٥٥٠:»لن نستعمل على عملنا من أراده«،»عملنا «أي: الإمارة والحكم بين الناس،»من أراده«: وذلك لأن إرادته إياه، والحرص عليه مع العلم بكثرة آفاته، وصعوبة التخلص منها آية أنَّه يطلُبه لِنفسه ولأغراضه ومن كان هكذا أوشكَ أن تَغلِبَ عليه نفسه فيهلك إذ الولايةُ تُفيد قوة بعد ضعف وقدرة بعد عجز، وقال: من أُريد بأمر أُعين عليه، ومن أراد أمرًا وُكِل إليه ليرى عجزه.
وقال في»الفتح" ١٣/ ٤٤١: وظاهر الحديث منع تولية من يحرص على الولاية إما على سبيل التحريم أو الكراهة، وإلى التحريم جنح القرطبي، ولكن يستثنى من ذلك من تَعَيَّين عليه.

٤ - باب في كراهية الرشوة
٣٥٨٠ - حدَّثنا أحمدُ بن يونسَ، حدَّثنا ابنُ أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سَلَمة
عن عبدِ الله بن عمرو، قال: لَعَنَ رسولُ الله ﷺ الراشِيَ والمُرْتَشِيَ (١).

٥ - باب - في هدايا العُمّال
٣٥٨١ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن إسماعيلَ بن أبي خالد، حدَّثني قيسٌ
حدَّثني عديٌ بن عَميرةَ الكندي، أن رسولَ ال ﷺ قال: «يا أيُّها الناسُ مَنْ عُمِّلَ منكم لنا على عمل فكَتَمَنا منه مِخْيطًا فما فوقه، فهو


(١) إسناده قوي من أجل الحارث بن عبد الرحمن -وهو القرشي العامري- فهو صدوق لا بأس به. ابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث، وأحمد بن يونس: هو ابن عبد الله بن يونس، معروف بالنسبة إلى جده.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣١٣)، والترمذي (١٣٨٦) من طريق ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد. لكن جاء في رواية ابن ماجه: قال رسول الله ﷺ:»لعنة الله على الراشي والمرتشي«.
وهو في»مسند أحمد«(٦٥٣٢)، و»صحيح ابن حبان«(٥٠٧٧).
قال الخطابي:»الراشي«: المعطي، و»المرتشي": الآخذ، انما يلحقهما العقوبة معًا إذا استويا في القصد والإرادة، فرشا المعطي لينال به باطلًا، ويتوصل به إلى ظلم، فأما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو يدفع عن نفسه ظلمًا، فإنه غير داخل في هذا الوعيد، وروي عن الحسن والشعبي وجابر بن زيد وعطاء أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم، وكذلك الآخذ إنما يستحق الوعيد إذا كان ما يأخذه إما على حق يلزمه أداؤه فلا يفعل ذلك حتى يُرشى، أو عمل باطل يجب عليه تركه فلا يتركه حتى يُصانع ويُرشى.

غُلٌ يأتي به يومَ القيامة» فقام رجلٌ من الأنصار، أسودُ كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله ﷺ، اقبَلْ عني عملَكَ، قال: «وما ذاك؟» قال: سمعتُك تقولُ كذا وكذا، قال:، «وأنا أقولُ ذلك، مَن استعملناه على عَمَلٍ فلياتِ بقليلِه وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نُهي عنه انتهى» (١).

٦ - باب كيف القضاء
٣٥٨٢ - حدَّثنا عمرُو بنُ عونٍ، أخبرنا شريكٌ، عن سماك، عن حَنَشٍ
عن عليٍّ قال: بعثني رسولُ الله ﷺ إلى اليمن قاضيًا، فقلت: يا رسولَ الله، تُرسِلُني وأنا حديث السِّنِّ ولا عِلْمَ لي بالقضاء؟ فقال: «إنَّ الله عز وجل سيَهدى قلبَكَ ويُثبِّت لِسانكَ، فإذا جَلَسَ بينَ يديكَ الخصمان، فلا تقضِيَنَ حْتى تَسْمَعَ مِن الآخَر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يَتَبيَّن لك القضاء» قال: فما زلتُ قاضيًا، أو ما شككتُ في قضاء بعد (٢).


(١) إسناده صحيح. قيس: هو ابن أبي حازم، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه مسلم (١٨٣٣) من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٧١٧)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠٧٨).
(٢) صحيح بطرقه، دون قوله: «فإذا جلس بين يديك خصمان فلا تقضين حتى نسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء». وهذا إسناد حسن في المتابعات، من أجل حنش -وهو ابن المُعتمر- فهو ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، وقد توبع. وذكر الحافظُ في «بلوغ المرام» قصة الأمر بسماع الخصمين، ونقل عن ابن المديني أنه قواها. وحسن الحديث هو في «فتح الباري» ١٣/ ١٧١.
وأخرجه الترمذي (١٣٨٠) من طريق زائدة بن قدامة، والنسائي في «الكبرى» (٨٣٦٦) من طريق شريك النخعي، كلاهما عن سماك، به. واقتصر الترمذي على ذكر الأمر بسماع كلام الخصمين. ثم قال: هذا حديث حسن.=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وهو في «مسند أحمد» (٦٩٠).
وأخرجه ابن ماجه (٢٣١٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٣٦٣ - ٨٣٦٥) من طريق أبي البختري سعيد بن فيروز، عن علي بن أبي طالب. وأبو البختري لم يسمع من علي ابن أبي طالب يؤيد ذلك ما رواه الطيالسي (٩٨)، وأحمد (١١٤٥)، وأبو يعلى (٣١٦) لهذا الحديث من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: أخبرني من سمع عليًا يقول: ولم يذكر في روايته قصة سماع الحكم من الخصمين كليهما.
وهو في «مسند أحمد» (٦٣٦).
وأخرجه النسائي (٨٣٦٧) من طريق إسرائيل بن يونس السَّبيعي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن حارثة بن مضرب، عن علي بن أبي طالب. دون ذكر الأمر بسماع كلام الخصمين كليهما.
وهو في «مسند أحمد» (٦٦٦).
وأخرجه النسائي (٨٣٦٨) من طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي، عن أبي إسحاق
السبيعي، عن عمرو بن حُبشي، عن علي. دون ذكر الأمر بسماع كلام الخصمين كليهما. وأخرجه محمد بن خلف وكيع في «أخبار القضاة» ١/ ٨٧ من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان الثوري، عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة السُّوائي، عن علي ... الحديث بتمامه. وهذا إسناد حسن في المتابعات.
وأخرجه ابن حبان (٥٠٦٥) من طريق أسباط بن نصر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن علي .. الحديث بتمامه أيضًا. وهذا إسناد حسن في المتابعات أيضًا.
قال الخطابي: فيه دليل على أن الحاكم لا يقضي على غائب، وذلك لأنه إذا منعه أن يقضي لأحد الخصمين وهما حاضران حتى يسمع كلام الآخر، فقد دلَّ على أنه في الغائب الذي لم يحضره، ولم يسمع قوله أولى بالمنع، وذلك لامكان أن يكون معه حجة تُبْطِلُ دعوى الحاضر.
وممن ذهب إلى أنَّ الحاكم لا يقضي على غائبٍ: شريح وعمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة وابن أبي ليلى.
وقال مالك والشافعي: يجوز القضاءُ على الغائب إذا تبين للحاكمِ أن فراره واستخفاءَه إنما هو فرارًا من الحق ومعاندة للخصم. =

٧ - باب قضاء القاضي إذا أخطأ
٣٥٨٣ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ، عن هشامٍ بن عُروة، عن عُروة، عن زينب بنت أم سلمة
عن أم سلمة، قالت: قال رسولُ الله ﷺ: «إنَّما أنا بَشَرٌ، وإنَكم تَختَصِمُوَن إليَّ، ولعل بعضَكُم أن يكونَ ألْحَنَ بحجَّته من بعض، فأقضي له على نحوٍ مما أسمع منه، فمن قضيتُ له من حقِّ أخيه بشيء، فلا يأخُذْ منه شيئًا، فإنَّما أقطَعُ له قطعةً من النار (١).


= واحتج لهذه الطائفة بعضهم بخبر هند، وقوله عليه السلام لها:»خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف، وقال: إذا كان الخصم حاضرًا زمانه لا يحكم على أحدهما قبل أن يسمع من صاحبه لجواز أن يكون مع خصمه حجة يدفع بها بينته، فإذا كان الخصم غائبًا لم يجُز أن يُترك استماع قول خصمه الحاضر. إلا أنه يكتب في القضية: أن الغائب على حقه إذا حضر وأقام بينته أو جاء بحجته، وهو إذا فعل ذلك فقد استعمل معنى الخبر في استماع قول الخصم الآخر، كاستماعه قول الأول.
ولو ترك الحكم على الغائب، لكان ذلك ذريعةً إلى إبطال الحقوق.
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٢٦٨٠) و(٦٩٦٧) و(٧١٦٩)، ومسلم (١٧١٣)، وابن ماجه (٢٣١٧)، والترمذي (١٣٨٨)، والنسائي (٥٤٠١) و(٥٤٢٢) من طريق هشام بن عروة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٦٧٠)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠٧٠).
وأخرجه البخاري (٢٤٥٨) و(٧١٨١) و(٧١٨٥)، ومسلم (١٧١٣) من طريق الزهري، عن عروة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٦٢٦).
وانظر تالييه.
قال الخطابي: «ألحن بحجته» أي: أفطن لها، واللحن -مفتوحة الحاء- الفطنة، يقال: لحنت الشيء، ألحن له لحنًا، ولحن الرجل في كلامه لحنًا بسكون الحاء. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وفيه من الفقه وجوب الحكم بالظاهر، وأن حكم الحاكم لا يُحِل حرامًا ولا يُحرِّمُ حلالًا، وأنه متى أخطأ في حكمه فمضى، كان ذلك في الظاهر، فاما في الباطن وفي حكم الآخرة فإنه غير ماض.
وفيه أنه لا يجوز للمقضي له بالشيء أخذُه إذا عَلِمَ أنه لا يَحِلُّ له فيما بينة وبين الله، ألا تراه يقول: «فلا يأخذ منه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة من النار» وقد يدخل في هذا الأموال والدماءُ والفروج، كان ذلك كله حق أخيه، وقد حَرُمَ عليه أخذه.
وقد أدرج الإِمام البخاري في «صحيحه» هذا الحديث تحت باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه، فإن قضاء الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا.
قال العيني في «عمدة القاري» ٢٤/ ٢٥٦ تعليقًا على قول البخاري «فإن قضاء الحاكم ...»: هذا الكلام من كلام الشافعي، فإنه لما ذكر هذا الحديث قال: فيه دلالة أن الأمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر، وفيه أن قضاء القاضي لا يُحرم حلالًا، ولا يُحل حرامًا، وتحريرُ هذا الكلام أن مذهب الشافعي وأحمد وأبي ثور وداود وسائر الظاهرية أن كل قضاءٍ قضى به الحاكم من تمليك مالٍ أو إزالة ملك أو إثبات نكاح أو من حله بطلاق أو ما أشبه ذلك أن ذلك كله على حكم الباطن، فإن كان ذلك في الباطن كهو في الظاهر وجب ذلك على ما حكم به، ان كان ذلك في الباطن على خلاف ما شهد به الشاهدان على خلاف ما حكم به بشهادتهم على الحكم لم يكن قضاء القاضي موجبًا شيئًا من تمليك ولا تحريم ولا تحليل، وهو قول الثوري والأوزاعي ومالك وأبي يوسف أيضًا، وقال ابن حزم: لا يحل ما كان حرامًا ما كان حراما قبل قضائه ولا يحرم ما كان حلالًا قبل قضائه أنه إنما القاضي منفذ على الممتنع فقط لا مزية له سوى هذا.
وقال الشعبي وأبو حنيفة ومحمد: ما كان من تمليك مال فهو على حكم الباطن، وما كان من ذلك من قضاء بطلاق أو نكاح بشهود ظاهرهم العدالة وباطنهم الجراحة، فحكم الحاكم بشهادتهم على ظاهرهم الذي تعبد الله أن يحكم بشهادة مثلهم معه فذلك يجزيهم في الباطن لكفايتهم في الظاهر.
وقال الإِمام النووي في «شرح مسلم» ١٢/ ٦: وفي هذا الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين =

٣٥٨٤ - حدَّثنا الرَّبيعُ بن نافع أبو توبةَ، حدَّثنا ابنُ المبارك، عن أسامةَ بن زيدٍ، عن عبدِ الله بن رافع مولى أمِّ سَلَمَة
عن أمِّ سلمة، قالت: أتى رسولَ الله ﷺ رجلان يختصِمَان في مواريث لهما، لم يكُنْ لهما بينةٌ إلا دعواهما، فقال النبيُّ ﷺ، فذكر مثله، فبكى الرجلانِ وقال كلُّ واحدٍ منهما: حَقِّي لَكَ، فقال لهما النبيُّ ﷺ: «أما إذ فعلتُما ما فعلتُما، فاقتسما، وتوخَّيا الحقَّ، ثم استَهِمَا ثم تحالاّ» (١).


= فمن بعدهم أن حكم الحاكم لا يحيل الباطن ولا يحل حراما، فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال فحكم به الحاكم، لم يحل للمحكوم له ذلك المال، ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما، وإن شهدا بالزور أنه طلق امرأته، لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال، فقال: يحل نكاح المذكورة وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح ولإجماع من قبله، ومخالف لقاعدة وافق هو وغيره عليها وهو أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال.
(١) إسناده حسن أسامة بن زيد -وهو الليثي- صدوق حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٧/ ٢٣٣ - ٢٣٤، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (١٨٢٣)، وأبو يعلى (٧٠٢٧)، وابن الجارود (١٠٠٠)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٧٥٥ - ٧٦٠)، وفي «شرح معاني الآثار» ٤/ ١٥٥، والطبراني في «الكبير» ٢٣/ (٦٦٣)، والدارقطني (٤٥٨٠) و(٤٥٨١)، والحاكم ٤/ ٩٥، والبيهقي ٦/ ٦٦، والبغوي في «شرح السنة» (٢٥٠٨) من طرق عن أسامة بن زيد الليثي، به.
وقوله: استهما، معناه: اقترعا، والاستهام: الاقتراع.
قال الخطابي: وفيه دليل على أن الصلح لا يصح إلا في الشيء المعلوم، ولذلك أمرهما بالتوخي في مقدار الحق، ثم لم يقنع فيه بالتوخي حتى ضم إليه القرعة، وذلك أن التوخي انما هو أكثر الرأي وغالب الظن، والقرعة نوع من البينة فهي أقوى من التوخي، ثم أمرهما بعد ذلك بالتحليل ليكون تصادرهما عن تعين براءة، وافتراقهما عن طيب نفس ورضا. قاله الخطابي.

٣٥٨٥ - حدَّثنا إبراهيمُ بنُ موسى الرازيُّ، أخبرنا عيسى، حدَّثنا أسامةُ، عن عبدِ الله بن رافع
سمعت أمَّ سلمة، عن النبي ﷺ، بهذا الحديث، قال: يختصمان في مواريث وأشياء قد درست فقال: «إني إنما أقضي بَينكُم برأي فيما لم يُنزَل عليٍّ فيه» (١).
٣٥٨٦ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المَهْريُّ، أخبرنا ابنُ وهبٍ، عن يونسَ بن يزيدَ، عن ابنِ شهابٍ
أن عمر بنَ الخطاب، قال وهو على المنبر: يا أيُّها الناسُ إن الرأيَ إنما كان مِنْ رسولِ الله ﷺ مُصيبًا، لأن الله كان يُريه، وإنما هو مِنَّا الظَّنُّ والتَّكلُّفُ (٢).
٣٥٨٧ - حدَّثنا أحمدُ بنُ عَبدةَ الضبيُّ، حدَّثنا معاذُ بنُ معاذ، قال: أخبرني أبو عثمانَ الشاميُّ، ولا إخَالُني رأيتُ شاميًا أفضلَ منه، يعني حَريزَ بنَ عثمان (٣).


(١) إسناده حسن كسابقه. عيسى: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
وأخرجه أبو يعلى (٦٨٩٧)، والبيهقي ١٠/ ٢٦٠ من طريق أسامة بن زيد، به.
وانظر ما قبله.
(٢) رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا، ابن شهاب الزهري لم يُدرك عمر بن الخطاب.
وأخرجه البيهقي ١٠/ ١١٧ من طريق ابنِ وهب، بهذا الإسناد.
وهذا المعنى الذي ذكره عمر بن الخطاب أخذه من قول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ [النساء:١٠٥]
(٣) هذا ليس بحديث وإنما هو تنوية بفضل حريز بن عثمان.
وحريز بن عثمان هو الحمصي من صغار التابعين، قال ابن حجر في «هدي الساري» ص ٣٩٦: وثقه أحمد وابن معين والأئمة، لكن قال الفلاس وغيره: إنه كان ينتقص عليًا، وقال أبو حاتم: لا أعلم بالشام أثبت منه، ولم يصح عندي ما يقال عنه من =

٨ - باب كيف يجلس الخصمانِ بينَ يدَي القاضي؟
٣٥٨٨ - حدَّثنا أحمدُ بنُ مَنيع، حدَّثنا عبدُ الله بنُ المبارك، حدَّثنا مُصعبُ ابن ثابت
عن عبدِ الله بن الزُّبير، قال: قضى رسولُ الله ﷺ أن الخَصمَين يقعُدان بين يدَي الحَكَمِ (١).


= النصب قلت (القائل ابن حجر): جاء عنه ذلك من غير وجه، وجاء عنه خلاف ذلك، وقال البخاري: قال أبو اليمان: كان حريز يتناول من رجل ثم ترك. قال ابن حجر: فهذا أعدل الأقوال، فلعله تاب.
وهذه الرواية أثبتناها من (أ)، وأشار إلى أنها في رواية ابن العبد، ولا ندري ما وجه إيراد المصنف لهذه الرواية مع أنه لم يرد ذكر حريز من قريب.
(١) إسناده ضعيف لضعف مصعب بن ثابت - وهو ابن عبد الله بن الزبير بن العوام ولانقطاعه، مصعب بن ثابت لم يُدرك جده عبد الله بن الزبير. بينهما ثابت ما سيأتي.
وأخرجه أحمد (١٦١٠٤)، والطبراني في «الكبير» - قطعة من الجزء ١٣ - (٢٤٦)، والبيهقي ١٠/ ١٣٥ من طريق عبد الله بن المبارك، به.
وأخرجه الحاكم ٤/ ٩٤ من طريق عبدان، عن مصعب بن ثابت، عن أبيه ثابت، أن أباه عبد الله بن الزبير ... وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي!
وله شاهد لا يفرح به من حديث أم سلمة عند أبي يعلى (٥٨٦٧) و(٦٩٢٤)، والطبراني في «الكبير» ٢٣/ (٦٢٢)، والدارقطني (٤٤٦٦) و(٤٤٦٧)، والبيهقي ١٠/ ١٣٥، ولفظه عند البيهقي: «من ابتُلي بالقضاء بين الناس، فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده» وفي إسناده عباد بن كثير الثقفي، وهو متروك الحديث.
وله طريق آخر عند إسحاق بن راهويه في «مسنده» (١٨٤٦)، ومحمد بن خلف وكيع في «أخبار القضاة» ١/ ٣١، والطبراني ٢٣/ (٩٢٣) وفي إسناده بقية بن الوليد.
وطريق ثالث عند وكيع ١/ ٣١ وفي إسناده من لا يُعرف. =

٩ - باب القاضي يقضي وهو غضبانُ
٣٥٨٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ، عن عبد الملك بن عمير، حدَّثنا عبدُ الرحمن بن أبي بكَرةَ
عن أبيه، أنه كَتَبَ إلى ابنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا يَقضِي الحَكَمُ بينَ اثنين وهو غَضْبانُ١).

١٠ - باب الحكم بين أهل الذمة
٣٥٩٠ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد المروزيُّ، حدَّثني عليُّ بنُ حُسينٍ، عن أبيه، عن يزيدَ النحويٍّ، عن عِكرِمَة
عن ابنِ عباس، قال: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة:٤٢] فنُسِخَتْ، قال: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٨] (٢).


= وقد ذكر البيهقي ١٠/ ١٣٥ أن الاعتماد في هذا الباب على ما أخرجه هو ١٠/ ١٣٥، ومن قبله وكيع ١/ ٧٠، والدارقطني (٤٤٧٢) في قصة كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى وفيه: آسِ بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك.
(١) إسناده صحيح. سفيان: هو الثوري، ومحمد بن كثير: هو العبْدي.
وأخرجه البخاري (٧١٥٨)، ومسلم (١٧١٧)، وابن ماجه (٢٣١٦)، والترمذي (١٣٨٣)، والنسائي (٥٤٠٦) و(٥٤٢١) من طرق عن عبد الملك بن عمير، به.
وهو في»مسند أحمد«(٢٠٣٧٩)، و»صحيح ابن حبان" (٥٠٦٣).
قال الخطابي: الغضب يُغير العقل ويحيل الطباعَ عن الاعتدالِ، فلذلك أمر الحاكم بالتوقف في الحكم ما دامَ به الغضبُ. فقياسُ ما كان في معناه من جوعٍ مفرط، وفزعٍ مدهش، ومرض موجع قياسُ الغضب في المنعِ من الحكم.
(٢) صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل علي بن الحُسين -وهو ابن واقد المروزي- فهو صدوق حسن الحديث. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٣٣٦) و(٧١٨١) من طريق مجاهد، عن ابن عباس. وسنده صحيح.
قال الإِمام ابن الجوزي في «زاد المسير» ٢/ ٣٦١ بتحقيقنا: اختلف علماء التفسير في هذه الآية على قولين: أحدهما أنها منسوخة، وذلك أن أهل الكتاب كانوا إذا ترافعوا إلى النبي ﷺ كان مخيرًا إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم، ثم نسخ ذلك بقوله: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة:٤٩] فلزمه الحكم، وزال التخيير، وهذا مروي عن ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والسدي.
قلت: ذكره أبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (١٢٩) أنه الصحيح من قول الشافعي، فإنه قال في كتاب الجزية: ولا خيار له إذا تحاكموا إليه لقوله عز وجل: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] وهذا من أصح الاحتجاجات، لأنه إذا كان معنى ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ أن تجري عليهم أحكام المسلمين، وجب أن لا يردوا إلى أحكامهم، فإذا وجب هذا فالآية منسوخة، وهو أيضًا قول الكوفيين أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد لا اختلاف بينهم إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإِمام أنه ليس له أن يعرض عنهم، غير أن أبا حنيفة قال: إذا جاءت المرأة والزوج، فعليه أن يحكم بينهما بالعدل، فإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم ... وقال الباقون: بل يحكم.
والثاني: أنها محكمة وأن الإمام ونوابه في الحكم مخيَّرون إذا ترافعوا إليهم إن شاؤوا حكموا بينهم، وإن شاؤوا أعرضوا عنهم، وهذا مروي عن الحسن والشعبي والنخعي والزهري، وبه قال أحمد بن حنبل وهو الصحيح، لأنه لا تنافي بين الآيتين، لأن إحداهما خيَّرت بين الحكم وتركه، والثانية بيَّنت كيفية الحكم إذا كان.
قلت: وقد أفتى بهذا القول عطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس، ذكر ذلك أبو جعفر النحاس عنهما في «الناسخ والمنسوخ» (١٢٩)، والقرطبي في أحكام القرآن «٦/ ١٨٤، وإليه ذهب قتادة كما في الطبري ١٠/ ٣٣٠، وسعيد بن جبير كما ذكر ذلك ابن الجوزي في»نواسخ القرآن" ص ٣١٤، واختاره أبو جعفر الطبري لعدم التعارض بين الآيتين، ولأنه لم يصح به خبر عن رسول الله ﷺ، ولم يجمع عليه علماء المسلمين. =

٣٥٩١ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمد النُّفيليُّ، حدَّثنا محمدُ بنُ سَلَمةَ، عن محمد بن إسحاقَ، عن داود بن الحُصين، عن عِكرمَة
عن ابنِ عباسٍ قال: لما نزَلَت هذه الآية ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾، ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ الآية [المائدة: ٤٢]،قال: كان بنو النضير إذا قَتَلُوا من بني قُريظةَ أدَّوا نِصْفَ الدية، وإذا قَتَلَ بنو قُريظةَ مِن بني النَّضير أدَّوا إليهم الدَّيةَ كاملةً، فسوَّى رسولُ الله ﷺ بينَهم١).

١١ - باب اجتهاد الرأي في القضاء
٣٥٩٢ - حدَّثنا حفصُ بنُ عمر، عن شُعبةَ، عن أبي عونٍ، عن الحارث بن عَمرو بن أخي المغيرة بن شُعبة


= وليس بين الآيتين من التعارض ما يسوغ النسخ على الإطلاق، فإن الأولى -وهي المدعى عليها النسخ- تخير النبي ﷺ بين الحكم في خصومتهم والإعراض عنهم، والثانية -وهي المدعى أنها ناسخة- تأمره أن يحكم بينهم بما أنزل الله، وتنهاه أن يتبع أهواءهم، ثم تحذره منهم أن يفتنوه عن بعض الذي أنزل إليه، فقد ذكر الحكم مطلقًا في الآية الأولى، وقيد في الثانية، فوجب أن يكون بما أنزل الله، وأن لا يكون فيه اتباع لهواهم، وأن تكون معه يقظة لهم حتى لا يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع عند ابن هشام في «السيرة» ٢/ ٢١٥، وعند النسائي (٤٧٣٣)، وقد توبع.
وهو في «السيرة النبوية» لابن هشام ٢/ ٢١٥.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٩٥٩) من طريق إبراهيم بن سعد الزهري، عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٣٤٣٤).
وأخرجه بأطول مما هنا أحمد (٢٢١٢) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عُبيد الله بن عَبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس. وهذا إسناد حسن وقد سلف مختصرًا عند المصنف برقم (٣٥٧٦) وانظر تمام تخريجه هناك.
وانظر ما سيأتي عند المصنف أيضًا برقم (٤٤٩٤).

عن أناسٍ من أهل حمصَ من أصحابِ معاذ بن جبل: أن رسولَ الله ﷺ لما أراد أن يَبعَثَ معاذًا إلى اليمن، قال: «كيف تَقضِي إذا عَرَضَ لكَ قَضاء؟» قال: أقضي بكتابِ الله، قال: «فإن لم تَجِدْ في كتاب الله؟» قال: فبسُنةِ رسولِ الله ﷺ، قال: «فإن لم تجد في سُنة رسولِ الله ﷺ ولا في كتابِ الله؟ قال: أجْتَهِدُ رأيِ ولا آلُو، فضربَ رسولُ الله ﷺ صَدْرَهُ وقال: الحمدُ لله الذي وَفَّق رسولَ رسولِ الله لما يَرضَى رسولُ الله» (١).


(١) إسناده ضعيف لإبهام أصحاب معاذ وجهالة الحارث بن عمرو، لكن مال إلى القول بصحته غير واحد من المحققين من أهل العلم منهم الفخر البزدوي في «أصوله» والجويني في «البرهان»، وأبو بكر بن العربي في «عارضة الأحوذي»، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه»، وابن تيمية في «مجموع الفتاوى» ١٣/ ٣٦٤، وابن كثير في مقدمة «تفسيره»، وابن القيم في «إعلام الموقعين»، والشوكاني في «جزء له مفرد» خصصه لدراسة هذا الحديث، أشار إليه هو في «فتح القدير»، ونقل الحافظ في «التلخيص» ٤/ ١٨٢ عن أبي العباس ابن القاص الفقيه الشافعي تصحيحه كذلك. وأجابوا عن دعوى جهالة الحارث بن عمرو بأنه ليس بمجهول العين لأن شعبة بن الحجاج يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة، ولا بمجهول الوصف، لأنه من كبار التابعين ولم ينقل أهل الشأن جرحًا مفسرًا في حقه، والشيوخ الذين روى عنهم هم أصحاب معاذ، ولا أحد من أصحاب معاذ مجهولًا، ويجوز أن يكون في الخبر إسقاط الأسماء عن جماعة، ولا يدخله ذلك في حيز الجهالة، وإنما يدخل في المجهولات إذا كان واحدًا، وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والصدق بالمحل الذي لا يخفى، وقد خرج البخاري (٣٦٠) الذي شرط الصحة حديث عروة البارقي: سمعت الحي يحدثون عن عروة، ولم يكن ذلك الحديث في المجهولات.
وقال مالك في «القسامة» ٢/ ٨٧٧: أخبرني رجل من كبراء قومه، وفي «صحيح مسلم» (٩٤٥) (٥٢) عن ابن شهاب حدثني رجال عن أبي هريرة عن النبي ﷺ بمثل حديث معمر: «من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها فله قيراط». =

٣٥٩٣ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن شُعبةَ، حدَّثني أبو عَونٍ، عن الحارث بن عَمرو عن ناسٍ من أصحاب معاذ، عن معاذ بن جبل، أن رسولَ الله
ﷺ لما بعثه إلى اليمن، فذكر معناه١).

١٢ - باب في الصلح
٣٥٩٤ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المَهْريُّ، أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني سليمانُ ابنُ بلال (ح)


= وقال الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» ١/ ١٨٩ - ١٩٠: إن أهل العلم قد تقبلوه واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله ﷺ «لا وصية لوارث» وقوله في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وقوله: «الدية على العاقلة» وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد، لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غَنُوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها.
وقال شمس الحق في «عون المعبود» ٩/ ٣٦٩: وللحديث شواهد موقوفة عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس، أخرجها البيهقي في «سننه» عقب تخريج هذا الحديث تقوية له.
أبوعون: هو محمد بن عُبيد الله الثقفي.
وأخرجه الترمذي (١٣٧٦) و(١٣٧٧) من طرق عن شعبة، بهذا الإسناد. إلا أنه قال في الموضع الثاني: عن أناس من أهل حمص، عن معاذ، عن النبي ﷺ، نحوه.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٠٠٧). وانظر ما بعده.
(١) إسناده كسابقه.
قال الخطابي: قوله: «أجتهد رأيي» يريد الاجتهاد في رد القضية من طريق القياس إلى معنى الكتاب والسنة، ولم يُرد الرأي الذي يَسْنَحُ له من قِبَل نفسه أو يخطر بباله من غير أصل من كتاب أو سنة، وفي هذا إثبات القياس، وايجاب الحكم به.
وفيه دليل على أن للحاكم أن يقلِّد غيره فيما يُريد أن يحكم به، وإن كان المقلِّد أعلمَ منه وأفقه، حتى يجتهد فيما يسمعه منه. فإن وافق رأيَه واجتهاده أمضاه، وإلا توقَّف عنه، لأن التقليدَ خارج من هذه الأقسام المذكورة في الحديث.
وقوله: «لا آلو» معناه: لا أقصر في الاجتهاد، ولا أترك بلوغ الوسع فيه.

وحدَّثنا أحمدُ ينُ عبد الواحد الدمشقيُّ، حدَّثنا مروانُ -يعني ابنَ محمدٍ- قال: حدَّثنا سليمانُ بنُ بلال أو عبدُ العزيز بن محمد -شك أبو داود- حدَّثنا كثيرُ بن زيدٍ، عن الوليدِ بن رباح
عن أبي هريرة، قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: «الصُّلحُ جائزٌ بين المسلمينَ -زاد أحمد- إلا صُلحًا أحَلَّ حرامًا أو حَرَّمَ حَلالًا». وزاد سليمان بن داود: وقال رسولُ الله ﷺ: «المسلمون على شُرُوطهم» (١).


(١) إسناده حسن من أجل كثير بن زيد -وهو الأسلمي- والوليد بن رباح فهما صدوقان حسنا الحديث.
وأخرجه أحمد (٨٧٨٤)، وابن الجارود (٦٣٧) و(٦٣٨)، وابن حبان (٥٠٩١)، وابن عدي في «الكامل» ٦/ ٢٠٨٨، والدارقطني (٢٨٩٠)، والحاكم ٢/ ٤٩ و٤/ ١٠١، والبيهقي ٦/ ٦٣ و٦٤ - ٦٥ و٦٥ من طرق عن كثير بن زيد، به. وبعضهم يزيد فيه الزيادات التي أشار إليها المصنف.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٤/ ٩٠ من طريق كثير بن زيد، به مختصرًا بقوله: «المسلمون عند شروطهم».
وأخرجه الدارقطفي (٢٨٩١)، والحاكم ٢/ ٥٠ من طريق عبد الله بن الحسين المِصِّيصي، عن عفان، عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وهو معروف بعبد الله بن الحسين المصيصي، وهو ثقة، فتعقبه الذهبي بقوله: قال ابن حبان: يسرق الحديث.
وفي الباب عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده عند ابن ماجه (٢٣٥٣)، والترمذي (١٤٠٢)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلنا: ذلك لأنه حسن الرأي في كثير بن عبد الله المزني تبعًا لشيخه الإِمام البخاري، والجمهور على تضعيفه. وأعدل الأقوال فيه أنه يصلح للاعتبار في المتابعات والشواهد.
وعن عمر بن الخطاب موقوفًا عليه في كتابه إلى أبي موسى الأشعري عند وكيع محمد بن خلف في «أخبار القضاة» ١/ ٧٠ - ٧٣، والدارقطني (٤٤٧٢)، والبيهقي ٦/ ٦٥ ورجاله ثقات. =

٣٥٩٥ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، أخبرني يونُس، عن ابنِ شهاب، أخبرني عبدُ الله بنُ كعبِ بن مالك
أن كعبَ بنَ مالكٍ أخبره: أنه تَقَاضى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَيْنًا كان عليه في عَهْدِ رسولِ الله ﷺ في المسجد، فارتفعت أصْواتُهما حتى سَمِعُهما رسولُ الله ﷺ وهو في بيتِه، فخرج إليهما رسولُ الله ﷺ حتى كَشَفَ سِجْفَ حُجرته، ونادى كعبَ بنَ مالك، فقال: «يا كعبُ» فقال: لَبَّيكَ يا رسولَ الله، فأشار إليه بيدِه أن ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دينْكَ، قال كعبٌ: قد فعلتُ يا رسولَ الله، قال النبيُّ ﷺ: «قُم فاقضِهِ» (١).


= قال الخطابي: الصلح يجري مجرى المعاوضات، ولذلك لا يجوز إلا فيما أوجب المال.
ولا يجوز في دعوى القذف، ولا على دعوى الزوجية، ولا على مجهول، ولا أن يُصالحه على دين له على مال نسيه، لأنه من باب الكالىء بالكالىء. ولا يجوز الصلح في قول مالك على الإقرار، ولا يجوز في قول الشافعي على الإنكار، وجوزه أصحاب الرأي على الإقرار والإنكار معًا. ونوع آخر من الصلح: وهو أن يصالحه في مال على بعضه نقدًا، وهذا من باب الحط والإبراء وإن كان يُدعى صلحًا.
وقوله: «المسلمون على شروطهما» فهذا في الشروط الجائزة في حق الدين دون الشروط الفاسدة، وهذا من باب ما أمر الله تعالى من الوفاء بالعقود.
(١) إسناده صحيح. ابن شهاب: هو الزهري، ويونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه البخاري (٤٥٧)، ومسلم (١٥٥٨)، وابن ماجه (٢٤٢٩)، والنسائي (٥٤٠٨) من طريق يونس بن يزيد الأيلي، به.
وأخرجه النسائي (٥٤١٤) -وهو عند مسلم (١٥٥٨) معلقًا- من طريق عبد الرحمن ابن هرمز الأعرج، عن عبد الله بن كعب، عن أبيه.
وهو في مسند أحمد«(٢٧١٧٣) و(٢٧١٧٧)، و»صحيح ابن حبان" (٥٠٤٨). =

١٣ - باب في الشهادات
٣٥٩٦ - حدَّثنا ابنُ السرْح، حدَّثنا ابنُ وهب، وحدَّثنا أحمد بن سعيدٍ الهمْداني، أخبرنا ابنُ وهبٍ، أخبرني مالكُ بن أنسَ، عن عبدِ الله بن أبي بكر، أن أباه أخبره،
أن عبدَ الله بنَ عمرو بن عثمان بن عفَّان أخبره، أن عبدَ الرحمن ابن أبي»عَمْرةَ الأنصاريَّ أخبره أن زيدَ بنَ خالدٍ الجُهنيَّ أخبره، أن رسولَ الله ﷺ قال: «ألا أُخبِرُكُم بخير الشُهداء؟ الذي يأتي بشهادَتِهِ - أو يُخْبِر بشهادتِهِ قبلَ أن يُسألَهَا» شكَّ عبدُ الله بن أبي بكر أيَّتَهما قال (١).


= قال الخطابي: فيه من الفقه أن للقاضي أن يُصلح بين الخصمين، وأن الصلح إذا كان على وجه الحطِّ والوضعِ من الحق يَجبُ نقدًا، وفيه جوازُ ملازمة الغريم واقضاء الحقِّ منه في المسجد.
قلنا: والسِّجف، بفتح السين وكسرها: السِّتر، وقيل: هما الستران المقرونان بينهما فرجة، وكل باب ستر بسترين مقرونين فكل شق منه سَجف، والجمع أسجاف وسُجُوف، وربما قالوا: السِّجاف والسَّجْف، وأسجَفْتُ السِّتْر: إذا أرسلتَه وأسبلتَه.
(١) إسناده صحيح. ابن وهب: هو عبد الله، وأحمد بن السرح: هو أحمد بن عمرو ابن عبد الله بن عمرو بن السرح أبو الطاهر، نسب هنا لأحد أجداده، وهو مشهور بكنيته.
وهو في «الموطأ» برواية محمد بن الحسن الشيباني (٨٤٩).
وأخرجه مسلم (١٧١٩) عن يحيى بن يحيى النيسابوري، والترمذي (١٤٤٩) من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبيُّ، كلاهما عن مالك، به. إلا أنهما قالا: عن ابن أبي عمرة لم يسمياه.
وهو في «الموطأ» برواية يحيى بن يحيى الليثي ٢/ ٧٢٠، ورواية أبي مصعب الزهري (٢٩٣١)، وأخرجه كذلك الترمذي (٢٤٤٨) من طريق معن بن عيسى، والنسائي في «الكبرى» (٥٩٨٥) من طريق عبد الرحمن بن القاسم، أربعتهم (يحيى الليثي وأبو مصعب ومعن وابن القاسم) عن مالك، به. إلا أنهم قالوا: عن أبي عمرة، بدل: عبد الرحمن بن أبي عمرة. =

قال أبو داود: قال مالكٌ: الذي يُخبِر بشهادَتِه ولا يعلَمُ بها الذي هي له، قال الهَمْدَانيُّ: ويرفَعُها إلى السُّلطان، قال ابنُ السرح: أو يأتي بها الإمامَ. والأخبارُ في حديث الهَمْدانىّ، قال ابنُ السرح: ابنُ أبي عَمرةَ، لم يقل: عبدَ الرحمن. والتفسير لمالك.


= قال الترمذي: اختلفوا على مالك في رواية هذا الحديث، فروى بعضهم عن ابن أبي عمرة، وروى بعضهم عن أبي عمرة. وهو عبد الرحمن بن أبي عمرة، وهذا أصح عندنا. قلنا: وكذلك صوب ابن عبد البر في «الاستذكار» ٢٢/ ٢٥ أنه عبد الرحمن بن أبي عمرة.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٦٤)، والترمذي (٢٤٥٠) من طريق أُبيِّ بن عباس بن سهل ابن سعد، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان -وجاء في ابن ماجه: محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان- عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن زيد بن خالد. وأبيُّ بن عباس ضعيف الحديث، وقد زاد في الإسناد رجلًا، واضطرب أيضًا في تسمية شيخ أبي بكر بن عمرو بن حزم.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٠٤٥)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠٧٩).
وهذا الحديث يعارضه حديث عمران بن حصين الآتي عند المصنف برقم (٤٦٥٧)، وهو عند البخاري (٢٦٥١)، ومسلم (٢٥٣٥) وفيه: «إن بعدكم قومًا يخونون ولا يؤتمنون، ويَشهَدون ولا يُستَشهَدون».
قال الحافظ في «الفتح» ٥/ ٢٥٩ - ٢٦٠: اختلف العلماء في ترجيحهما، فأجابوا بأجوبة: أحدها: أن المرادَ بحديثِ زيد مَن عنده شهادة لإنسانٍ بحق لا يَعلَمُ بها صاحبُها، فيأتي إليه فيُخبره بها، أو يموت صاحبُها العالمُ بها، ويخلِّف ورثة، فيأتي الشاهدُ إليهم، أو إلى من يتحدث عنهم فيُعلمهم بذلك، وهذا أحسن الأجوبة.
وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» ٢٢/ ٢٧: حديث عمران ليس بمعارض لحديث مالك في هذا الباب، وتد فسر إبراهيم النخعي حديث عمران، فقال فيه كلامًا، معناهُ: أن الشهادة ها هنا اليمين، أي: يحلف أحدُهما قبل أن يُستحلَف، ويحلفِ حيث لا تُراد منه يمين، واليمين قد تسمى شهادة، قال الله تعالى ذكره: ﴿أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ [النور:٦] أي: أربع أيمان.

١٤ - باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها
٣٥٩٧ - حدَّثنا أحمدُ بنُ يونسَ، حدَّثنا زهيرٌ، حدَّثنا عُمارةُ بنُ غَزِيَّة، عن يحيى بن راشِدٍ، قال:
جلسنا لعبدِ الله بن عُمر، فخرج إلينا فجلسَ، فقال: سمعتُ رسولَ الل ﷺ يقول: «مَن حَالت شفَاعَتُهُ دون حَدٍّ من حُدودِ الله، فقد ضادَّ الله، ومن خاصمَ في باطلٍ وهو يعلمُهُ، لم يَزَلْ في سَخَطِ الله حتى يَنزعَ، ومن قال في مؤمن ما ليسَ فيه، أسكنهُ اللهُ ردْغَةَ الخَبَال حتى يَخرُجَ مِمَّا قال» (١).
٣٥٩٨ - حدَّثنا علي بنُ الحُسين بن إبراهيمَ، حدَّثنا عُمَرُ بنُ يونس، حدَّثنا عاصمُ بن محمد بن زيد العمري، حدَّثني المثنى بنُ يزيد، عن مطر الوراق، عن نافعٍ


(١) إسناده صحيح. زهير: هو ابن معاوية، وأحمد بن يونس: هو ابن عبد الله ابن يونس، نسب هنا لجده.
وأخرجه أحمد (٥٣٨٥)، والحاكم ٢/ ٢٧، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٦/ ٨٢ و٨/ ٣٣٢، وفي «شعب الإيمان» (٦٣٠٩) و(٧٢٦٧) من طريق زهير بن معاوية، بهذا الإسناد.
وأخرج القسم الأول منه، وهو: «من حالت شفاعتُه ...» الحاكم ٤/ ٣٨٣، والطبراني في «الكبير» (١٣٠٨٤) من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن ابن عمر.
ورجاله ثقات.
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: الردغة: الوحلُ الشديدُ، ويقال: ارتدغ الرجلُ: إذا ارتطم في الوحل.
وجاء في تفسير «ردغة الخبال»: أنها عُصارةُ أهل النار.

عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، بمعناه، قال:»ومَنْ أعان على خُصومةٍ بظلمٍ، فقد بَاء بغَضَبٍ مِن الله عز وجل ١).

١٥ - باب في شهادة الزور
٣٥٩٩ - حدَّثني يحيى بن موسى البَلْخي، حدَّثنا محمدُ بنُ عُبيد، حدَّثني سفيان - يعني العُصْفُريَّ، عن أبيه، عن حبيب بن النُّعمان الأسدي
عن خُريمِ بنِ فاتكٍ، قال: صلَّى رسولُ الله ﷺ صلاةَ الصُّبح، فلما انصرف قام قائمًا، فقال: «عُدِلَتْ شهادةُ الزُّورِ بالإشراك بالله» ثلاثَ مرارِ، ثم قرأ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ [الحج: ٣٠ - ٣١] (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لجهالة المثنى بن يزيد وقد سلف الحديث قبله بسند صحيح. مطر الرزاق: هو ابن طهمان.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٢٠) من طريق حسين المعلم، عن مطر الرزاق، به.
وإسناده حسن في المتابعات من أجل مطر الوراق.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده ضعيف، أبو سفيان العصفري -واسمه زياد- وحبيب بن النعمان مجهولان.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٧٢) من طريق محمد بن عبيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (٢٤٥٣) من طريق مروان بن معاوية الفزاري، عن سفيان العصفري، عن فاتك بن فضالة، عن أيمن بن خُريم مرفوعًا. وقال: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد، واختلفوا في رواية هذا الحديث عن سفيان بن زياد، ولا نعرف لأيمن بن خريم سماعًا من النبي ﷺ. قلنا: وفاتِكُ بنُ فضالة مجهول.
وفي الباب ما يغني عنه عن أبي بكرة عند البخاري (٢٦٥٤)، ومسلم (٨٧)، ولفظه: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور ...».
وعن أنس بن مالك عند البخاري (٥٩٧٧)، ومسلم (٨٨).

١٦ - باب من تُردُّ شهادتُه
٣٦٠٠ - حدَّثنا حفصُ بنُ عُمرَ، حدَّثنا محمدُ بنُ راشد، حدَّثنا سليمانُ بنُ موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جدِّه: أنَّ رسولَ الله ﷺ ردَّ شهادةَ الخائِنِ والخائِنَة، وذي الغِمْرِ على أخيه، وردَّ شهادةَ القانِعِ لأهل البيت، وأجازها لغيرهم (١).


(١) إسناده حسن. محمد بن راشد: هو المكحولي، وحفص بن عمر: هو أبو عمر الحوضي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٦٦) من طريق حجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، به بنحو اللفظ الآتي بعده. إلا أنه قال: «لا محدود في الاسلام» بدل: «ولا زان ولا زانية». ولم يذكر في روايته شهادة القانع.
وهو في «مسند أحمد» (٦٦٩٨) و(٦٨٩٩) و(٦٩٤٠) و(٧١٠٢).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قال أبو عبيد: لا نراه خصَّ به الخيانة في أماناتِ الناسِ دونَ ما فرضَ اللهُ على عباده وائتمنهم عليه، فإنه قد سمَّى ذلك كُلَّه أمانةً، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال:٢٧] فمن ضيَّع شيئًا مما أمرَ اللهُ، أو رَكبَ شيئًا مما نهاه الله عنه، فليس بعدلٍ، لأنه قد لزمه اسم الخيانة.
وأما «ذو الغمر» فهو الذي بينه وبين المشهود عليه عداوةٌ ظاهرة، فرد شهادته للتهمة وقال أبو حنيفة: شهادته على العدو مقبولة إذا كان عدلًا.
والقانع: السائلُ والمُستطعِم، وأصلُ القنوع السؤالُ، ويقال: إن القانعَ المنقطع إلى القومِ لخدمتهم، ويكون في حوائجهم كالأجيرِ والوكيلِ ونحوه.
ومعنى رد هذه الشهادة: التهمة في جرِّ النفع إلى نفسه، لأن التابع لأهلِ البيت ينتفع بما يصير إليهم مِنْ نفع، وكل من جر إلى نفسه بشهادته نفعًا، فهي مردودة، كمن شهد لرجل على شراء دار وهو شفيعُها، وكمن حُكم له على رجلٍ بدين وهو مفلس، فشهد للمفلس على رجل بدين ونحوه. =

قال أبو داود: الغِمْر: الحِقْد والعَداوة. والقانع: الأجيرُ التابع مثل الأجير الخاصِّ (١).
٣٦٠١ - حدَّثنا محمدُ بنُ خلف بن طارق الداريُّ، حدَّثنا زيدُ بنُ يحيى بن عُبيدٍ الخُزَاعيُّ، حدَّثنا سعيدُ بنُ عبدِ العزيز
عن سليمان بن موسى، بإسناده، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا تجوزُ شهادةُ خائنٍ ولا خَائِنةٍ، ولا زانٍ ولا زانيةٍ، ولا ذي غِمْرٍ على أخيه» (٢).

١٧ - باب شهادة البدوي على أهل الأمصار
٣٦٠٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ سعيدٍ الَهَمْداني، أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني يحيى ابنُ أيوب ونافعُ بن يزيد، عن ابن الهاد، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عطاء بن يسار


= ومَنْ ردَّ شهادةَ القانع لأهلِ البيت بسبب جرِّ المنفعة فقياسُ قوله: أن يرد شهادة الزوج لزوجته، لأن ما بينَهما مِن التهمة في جرِّ النفعِ أكثر، وإلى هذا ذهبَ أبو حنيفة.
والحديث أيضًا حجةٌ على مَن أجاز شهادةَ الأبِ لابنه، لأنه يجر به النفع لما جُبل عليه مِن حبه والميل إليه، ولأنه يملِكُ عليه ماله، وقد قال عليه السلام لرجل: «أنت ومالُك لأبيك» وذهب شريح إلى جواز شهادة الأب للابن، وهو قول المزني وأبي ثور، وأحسبه قول داود.
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتاها من (هـ)، وأشار هناك إلى أنها في رواية ابن الأعرابي. واقتصر اللؤلؤي على تفسير كلمة: «الغِمر»، فقال: الغِمر: الحِنَة والشحناء.
(٢) إسناده حسن كسابقه. محمد بن خلف بن طارق الدَّاري نسبة إلى داريَّا، ويقال في النسبة إليها أيضًا: الداراني، وهي أكبر قرى الغوطة الجنوبية، وثانية قرى الغوطة اليوم على الإطلاق، تبعُد عن دمشق نحو ثمانية كيلو مترات جنوبًا إلى غرب.
وقد جاءت نسبة هذا الرجل في (أ) و(ب) و(جـ): الرَّازيُّ، وهو خطأ، وجاءت نسبته في (هـ): داريًّا على الصواب.

عن أبي هريرة أنه سَمعَ رسولَ ال ﷺ يقول: «لا تجوزُ شهادةُ بدوي على صاحب قرية» (¬١).

١٨ - باب الشهادة في الرضاع
٣٦٠٣ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حرب، حدَّثنا حمادُ بنُ زيدٍ، عن أيوبَ، عن ابن أبي مُليكة


(١) إسناده صحيح. ابن الهاد: هو يزيد بن عبد الله بن الهاد، وابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٦٧) عن حرملة بن يحيى، عن عبد الله بن وهب، عن نافع بن يزيد وحده، بهذا الإسناد.
قال الذهبي في «تلخيص المستدرك» ٤/ ٩٩: هو حديث منكر على نظافة إسناده.
وقال الخطابي: يشبه أن يكون إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشريعة، ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها، ولا يقيمونها على حقها، لقصور علمهم عما يُحيلها ويُغيِّرها على جهتها.
وقال مالك: لا تجوز شهادة البدوي على القروي لأن في الحضارة من يغنيه عن البدوي، إلا أن يكون في بادية أو قرية، والذي يُشهد بدويًا ويدعُ جيرته من أهل الحضر عندي مريب.
وقال عامة العلماء: شهادة البدوي إذا كان عدلًا يقيم الشهادة على وجهها جائزة.
وقال علي القاري في «مرقاة المفاتح» ٤/ ١٦٤: قال الطيبي: قيل: إن كانت العلة جهالتهم بأحكام الشريعة لزم أن لا يكون لتخصيص قوله: «على صاحب قرية» فائدة، فالوجه أن يكون ما قاله الشيخ التوربشتي، وهو قوله: لحصول التهمة ببعد ما بين الرجلين، ويؤيده تعدية الشهادة بـ«على» وفيه أنه لو شهد له تُقَبل، وقيل: لا يجوز، لأنه يعسر طلبه عند الحاجة إلى إقامة الشهادة.
وقال شمس الحق في «عون المعبود» ١٠/ ٨ - ٩: وذهب إلى العمل بالحديث جماعة من أصحاب أحمد، وبه قال مالك وأبو عبيد، وذهب الأكثر إلى القبول. قال ابن رسلان: وحملوا الحديث على من لم تُعرف عدالته من أهل البدو، والغالب أنهم لا تعرف عدالتهم.

حدَّثني عقبة بنُ الحارث، وحدَّثنيه صاحبٌ لي عنه، وأنا لحديث صاحبي أحفظُ، قال: تزوجتُ أمِّ يحيى بنتَ أبي إهاب، فدخلتْ علينا امرأةٌ سوداء، فزَعَمَتْ أنها أرضعتْنَا جميعًا، فأتيتُ النبيَّ ﷺ، فذكرتُ ذلك له، فأعرضَ عنِّي، فقلت: يا رسولَ الله إنها لكاذِبة، قال: «وما يدريك وقد قالت ما قالت؟ دَعْهَا عنك» (١).


(١) إسناده صحيح. ابن أبي مُليكة: هو عبد الله، والرجل المبهم هنا في هذا الإسناد: هو عُبيد بن أبي مريم المكلي، الآتي في الطريق التالي، وهو مجهول، فالاعتماد في هذا الحديث على رواية ابن أي مليكة عن عقبة بن الحارث.
وأخرجه البخاري (٨٨) و(٢٠٥٢) و(٢٦٤٠) و(٢٦٥٩) و(٢٦٦٠) من طرق عن عبد الله بن أبي مليكة، به. زاد البخاري في بعض طرقه: ففارقها عقبة ونكحت زوجًا غيره.
وهو في «مسند أحمد» (١٦١٤٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢١٦ - ٤٢١٨).
وانظر ما بعده.
قال الخطايي: قوله: «وما يدريك» تعليق منه القول في أمرها، وقوله: «دعها عنك». إشارة منه بالكفِّ عنها من طريق الورع، لا من طريق الحكم، وليس في هذا دلالة على وجوب قبول قولِ المرأةِ الواحدة في هذا، وفيما لا يَطَّلعُ عليه الرجال من أمر النساء، لأن من شرط الشاهد -من كان من رجل أو امرأة- أن يكون عدلًا، وسُبُلُ الشهادات أن تقام عند الأئمة والحكام، وإنما هذه امرأةٌ جاءته، فأخبرته بأمرٍ هو مِن فعلها، وهو بَيْنَ مُكذِّب لها ومُصدِّق، ولم يكن هذا القول منها شهادةً عند النبي ﷺ، فتكونَ سببًا للحكم والاحتجاج به في إجازة شهادة المرأة الواحدة في هذه، وفيما أشبهه من الباب ساقط.
واختلف في عدد من تقبل شهادته من النساء في الرضاع. فقال ابن عباس: شهادة المرأة الواحدة تقبل فيما لا يَطَّلِعُ عليه الرجالُ، وأجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال، وقد روي عن الشعبي والنخعي.
وقال عطاء وقتادة: لا يجوز في ذلك أقلُّ مِن أربع نسوة، وإليه ذهب الشافعي. =

٣٦٠٤ - حدَّثنا أحمدُ بنُ أبي شعيب الحرَّاني، حدَّثنا الحارث بن عُمير البصري، وحدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا إسماعيلُ ابن عُلية، كلاهما عن أيوبَ، عن ابن أبي مُليكة، عن عُبيد بن أبي مريم
عن عُقبة بن الحارث، وقد سمعته من عقبة، ولكنِّي لحديث عُبيد أحفظ، فذكر معناه (١). قال أبو داود: نظر حمادُ بنُ زيد إلى الحارث بن عُمير، فقال: هذا من ثقات أصحاب أيوب (٢).


= وقال مالك: لا تجوز شهادةُ امرأتين، وهو قولُ ابن أبي ليلى وابن شبرمة.
زاد ابن قدامة في مذاهب العلماء من «المغني» ١١/ ٣٤٠: وقال أصحاب الرأي: لا يقبل فيه إلا رجلان أو رجل وامرأتان.
ونقل عن أحمد ثلاث روايات: الأولى أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع إذا كانت مرضية، قال: وبهذا قال طاووس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب وسعيد بن عبد العزيز.
ورواية أخرى عن أحمد: لا يقبل إلا شهادة امرأتين، وهو قول الحكم، لأن
الرجال أكمل من النساء، ولا يقبل إلا شهادة رجلين، فالنساء أولى.
وعن أحمد رواية ثالثة: أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة، وتُستحلف مع شهادتها، وهو قول ابن عباس وإسحاق.
(١) إسناده صحيح من طريق ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث. أحمد بن أبي شعيب الحراني: هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب نسب هنا لجده.
وأخرجه البخاري (٥١٠٤)، والتر مذي (١١٨٥)، والنسائي (٣٣٣٠) من طريق إسماعيل بن إبراهيم -وهو ابن عُلية- بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦١٤٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢١٦).
وانظر ما قبله.
(٢) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ).

١٩ - باب شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر
٣٦٠٥ - حدَّثنا زيادُ بنُ أيوبَ، حدَّثنا هُشَيْمٌ، أخبرنا زكريا
عن الشعبيِّ، أن رجلًا من المسلمين حضرته الوفاةُ بدَقُوقا هذه ولم يجد أحدًا من المسلمين يُشهِده على وصيته، فأشهدَ رجلين من أهل الكتاب، فقَدِمَا الكوفةَ، فأتيا الأشعريَّ، فأخبراه، وقدما بترِكَته ووصيَّته، فقال الأشعريُّ: هذا أمرٌ لم يكن بعد الذي كان في عهد رسولِ الله ﷺ، فأحلَفَهُما بعد العصر بالله: ما خانا ولا كذبا ولا بدَّلا ولا كَتَما ولا غيَّرا، وإنها لوصِيةُ الرجلِ وتَركتُه فأمضى شهادتَهما (١).


(١) إسناده صحيح إلى الشعبي عن أبي موسى الأشعري فيما قاله الحافظ ابن كثير في «تفسيره» ٣/ ٢١٥، وقال الحافظ في «الفتح» ٥/ ٤١٢: وصح عن أبي موسى الأشعري أنه عمل بذلك بعد النبي ﷺ، فروى أبو داود بسند رجاله ثقات عن الشعبي ... فذكره. الشعبي: هو عامر. بن شراحيل، وزكريا: هو ابن أبي زائدة، وهشيم: هو ابن بشير.
وأخرجه سعيد بن منصور في قسم التفسير من «سننه» (٨٥٧)، والطبري في «تفسيره» ٧/ ١٠٥، وابن حزم في «المحلى» ٩/ ٤٠٧، والبيهقي ١٠/ ١٦٥ من طريق هشيم بن بشير، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (١٥٥٣٩) عن سفيان بن عيينة، وأبو عبيد القاسم بن سلام في «الناسخ والمنسوخ» (٢٩٠) عن يحيى بن سعيد القطان، وابن أبي شيبة ٧/ ٩١ عن وكيع بن الجرّاح، والبيهقي ١٠/ ١٦٥ من طريق عبد الله بن نمير، أربعتهم عن زكريا ابن أبي زائدة، به.
وأخرجه الطبري ٧/ ١٠٥ من طريق مغيرة بن مسلم الأزرق، عن الشعبي، به.
قال الحافظ ابن كثير: إسناده صحيح إلى الشعبي عن أبي موسى الأشعري.
وأخرجه الحاكم ٢/ ٣١٤ من طريق غيلان بن جامع المحاربي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن أبي موسى الأشعري. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي. =

٣٦٠٦ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليّ، حدَّثنا يحيى بنُ آدمَ، حدَّثنا ابنُ أبي زائدةَ، عن محمد بنِ أبي القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه
عن ابنِ عباس، قال: خَرجَ رجلٌ من بني سهم مع تميمٍ الدَّاريِّ وعَديِّ بن بَدَّاء، فمات السَّهميُّ بأرضٍ ليس بها مسلم، فلما قدِما بتَركته، فقدوا جام فضَّة مُخَوَّصًا بالذهب، فأحلَفهما رسولُ الله ﷺ، ثم وُجِدَ الجامُ بمكة، فقالوا: اشتريناه من تميمٍ وعَدِيّ، فقام رجلان مِن أولياء السَّهميِّ، فحلفا: لشهادتُنا أحقُّ من شهادتِهما وإن الجامَ


= وخالف غيلانَ سفيانُ الثوريُّ عند أبي عبيد (٢٩١) فرواه عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: أن أبا موسى أجازَ شهادةَ أهلِ الذِّمَّةِ على الوصية. وهذه الرواية تُوافق روايتي زكريا منبرة السالفين.
وهذا القضاء من أبي موسى الأشعري على مقتضى الآية السادسة بعد المئة من سورة المائدة، فحكمه في ذلك صحيح.
وقد ذكر ابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٣٢١ أن لأهلِ العلم في هذه المسألة قولين:
أحدهما: أنها محكمةٌ، والعملُ على هذا عندهم باق، وهو قولُ ابن عباس وابن المسيب وابن جبير وابن سيرين وقتادة والشعبي والثوري وأحمد بن حنبل [زاد مكي ابن أبي طالب في «الإيضاح» في هذا الفربق: عائشة وأبا موسى].
والثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق:٢]، وهو قول زيد بن أسلم، وإليه يميل أبو حنيفة ومالك والشافعي، قالوا: وأهلُ الكفر ليسوا بعدول.
والأول أصح، لأن هذا موضع ضرورة، فجاز كما يجوز في بعض الأماكن شهادةُ نساء لا رَجُلَ معهن بالحيض والنفاسِ والاستهلالِ.
قلنا: سبقه إلى القول بإحكام الآية أبو عُبيد القاسم بن سلّام في «الناسخ والمنسوخ» بإثر (٣٠٠) وإثر (٣٠٧)، والخطابي كما في شرحه على الحديث الآتي.
ودقوقا: بلدة بين بغداد وإربل، تُقصر وتُمد.

لِصاحبهم، قال: فنزلت فيهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المائدة:١٠٦]

٢٠ - باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يقضي به
٣٦٠٧ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بن فارسٍ، أن الحكم بن نافع أبا اليمانِ
حدَّثهم، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهريِّ، عن عُمارةَ بن خُزيمة
أن عمه حدَّثه، وهو مِنْ أصحاب النبيِّ ﷺ: أن النبيَّ ﷺ ابتاعَ فرسًا من أعرابي، فاستتبعه النبيُّ ﷺ ليقضِيَه ثَمَنَ فرسه، فأسرعَ النبي ﷺ المَشيَ وأبطأ الأعرابيُّ، فطَفِقَ رجالٌ يعترِضُون الأعرابىَّ فيساومونه


(١) إسناده قوي من أجل عبد الملك بن سعيد بن جبير، فهو صدوق لا بأس به.
وأخرجه البخاري (٢٧٨٠)، والترمذي (٣٣١٢) من طريق يحيى بن آدم، بهذا الاسناد.
وهو في «شرح مشكل الآثار» (٤٥٤٦).
قال الخطابي: فيه حجة لمن رأى رد اليمين على المدعي، والآية محكمة لم تنسخ في قول عائشة والحسن البصري وعمرو بن شرحبيل، وقالوا: المائدة آخر ما نزل من القرآن، لم يُنسخ منها شيء، وتأول من ذهب إلى خلاف هذا القول الآية على الوصية دون الشهادة، لأن نزول الآية إنما كان في الوصية، وتميم الداري وصاحبه عدي بن بدّاء إنما كانا وصيين لا شاهدين. والشهود لا يحلفون، وقد حلفهما رسول الله ﷺ،وإنما عبر بالشهادة عن الأمانة التي تحملاها. وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ﴾ [المائدة:١٠٦] أي: أمانة الله، وقالوا: معنى قوله: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة:١٠٦] أي: من غير قبيلتكم، وذلك أن الغالب في الوصية أن الموصي يُشهد أقرباءه وعشيرته، دون الأجانب والأباعد، ومنهم من زعم أن الآية منسوخة، والقول الأول أصح، والله أعلم.

بالفرسِ، ولا يشعرون أن النبيَّ ﷺ ابتاعَه، فنادى الأعرابيُّ رسولَ الله ﷺ فقال إن كنت مبتاعًا هذا الفرسَ وإلا بِعتُه، فقام النبي ﷺ حين سمع نداءَ الأعرابيِّ فقال:»أو ليسَ قد ابْتَعْتُه منك؟ فقال الأعرابيُّ: لا، والله ما بِعتُكَهُ، فقال النبيَّ ﷺ: «بلى قد ابتعتُه منك»َ، فطفِقَ الأعرابيُّ يقول: هَلمَّ شهيدًا، فقال خزيمةُ بن ثابت: أنا أشهدُ أنك قد بايَعْتَه، فأقبل النبيُّ ﷺ على خزيمة فقال: «بم تشهد؟» فقال: بتَصديقِكَ يا رسولَ الله، فجعل رسول الله ﷺ شهادةَ خُزيمة بشهادةِ رجُليَن (١).

٢١ - باب القضاء باليمين والشَّاهد
٣٦٠٨ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ والحسنُ بن عليٍّ، أن زيدَ بن حُباب حدَّثهم، قال: حدَّثنا سيف المكيُّ -قال عثمان: سيفُ بنُ سليمان المكي- عن قيس بن سعد، عن عمرو بن دينار
عن ابنِ عباس: أن رسولَ الله ﷺ قَضَى بيَمينٍ وشَاهِدٍ (٢).


(١) إسناده صحح. الزهري: هو محمد بن مسلم، وشعيب: هو ابن أبي حمزة.
وأخرجه النسائي (٤٦٤٧) من طريق يحيى بن حمزة، عن ابن شهاب الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٨٨٣).
قال الخطابي: هذا حديث يضعه كثير من الناس في غير موضعه، وقد تذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عنده بالصدق على كل شيء ادعاه، وإنما وجه الحديث ومعناه أن النبي ﷺ إنما حكم على الأعرابي بعلمه، إذ كان النبي ﷺ صادقا بارًا في قوله، وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد لقوله، والاستظهار بها على خصمه فصارت في التقدير شهادته له، وتصديقه إياه على قوله كشهادة رجلين في سائر القضايا.
(٢) إسناده صحيح. الحسن بن علي: هو الخلاّل.
وأخرجه مسلم (١٧١٢)، وابن ماجه (٢٣٧٠)، والنسائي في «الكبرى» (٥٩٦٧)
من طريق سيف بن سليمان، بهذا الإسناد. وقال النسائي: هذا إسناد جيد. =

٣٦٠٩٠ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى وسلمةُ بنُ شَبيبٍ، قالا: حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا محمدُ بن مُسلم


= وأخرجه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (١٩٩٦٠) من طريق الإِمام الشافعي، عن عبد الله.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٢٤) و(٢٩٦٨) زاد في الموضع الثاني: قال عمرو: إنما ذاك في الأموال.
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: يريد أنه قضى للمدعي بيمية مع شاهد واحد، كأنه أقام اليمين مقام شاهد آخر، فصار كالشاهدين، وهذا خاص في الأموال دون غيرها، لأن الراوي وقفه عليها، والخاص لا يُتعدى به محله، ولا يقاُس عليه غيره، واقتضاءُ العموم منه غير جائز، لأنه حكايةُ فعل، والفعلُ لا عمومَ له فوجب صرفه إلى أمر خاص، فلما قال الراوي: هو في الأموال، كان مقصورًا عليه.
وقد رأى الحكم باليمينِ مع الشاهدِ الواحد أجلةُ الصحابِة، وكثرُ التابعين وفقهاءُ الأمصار، وأباه أصحابُ الرأى وابنُ أبي ليلى، وقد حُكيَ ذلك أيضًا عن النخعي والشعبي.
واحتج بعضهم في ذلك بقوله عليه السلام: «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه» وهذا ليس بمخالف لحديث «اليمين مع الشاهد» وإما هو في اليمين إذا كان مجردًا وهذه يمين مقرونة ببينة، فكل واحدة منهما غير الأخرى، فإذا تباين محلاهما جاز أن يختلف حكماهما.
وقال النووي في «شرح مسلم» ١٢/ ٤: واختلف العلماء في ذلك، فقال أبو حنيفة رحمه الله والكوفيون والشعبي والحكم والأوزاعي والليث والأندلسيون من أصحاب مالك: لا يحكم بشاهد ويمين في شيء من الأحكام، وقال جمهور علماء الإسلام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأنصار يقضى بشاهد ويمين المدعي في الأموال وما يقصد به الأموال، وبه قال أبو بكر الصديق وعلي وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأحمد وفقهاء المدينة وسائر علماء الحجاز ومعظم علماء الأمصار رضي الله عنهم.

عن عَمرو بن دينارٍ، بإسناده ومعناه، قال سلمة في حديثه: قال عمرو: في الحقوق (١).
٣٦١٠ - حدَّثنا أحمدُ بنُ أبي بكر أبو مُصعَب الزُّهريُّ، حدَّثنا الدَّراورديُّ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه
عن أبي هريرة: أن النبيّ ﷺ قَضَى باليمين مَعَ الشاهد (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن مسلم -وهو الطائفي- وقد توبع في السالف قبله.
وأخرجه البيهقي ١٠/ ١٦٨ من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (١١١٨٥)، والبيهقي ١٠/ ١٦٨ من طريق أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي، عن محمد بن مسلم الطائفي، به.
وأخرجه الدارقطني (٤٤٩٤) من طريق عبد الله بن محمد بن ربيعة -وهو متروك- عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس. وقال الدارقطني: خالفه عبد الرزاق فلم يذكر طاووسًا، وكذلك قال سيف عن قيس بن سعد، عن عمرو ابن دينار عن ابن عباس.
وانظر ما قبله.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل الدَّراوَرْدي -وهو عبد العزيز بن محمد- فهو صدوق لا بأس به، وقد تابعه سليمان بن بلال في الطريق الآتي بعده.
ورواه أيضًا المغيرة بن عبد الرحمن الحِزامي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٦٨)، والترمذي (١٣٩٢) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٩٦٩) من طريق المغيرة بن عبد الرحمن الحِزامي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وإسناده حسن.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٥٠٧٣).
وانظر ما بعده.

قال أبو داود: وزادني الرَّبيعُ بنُ سليمان المؤذِّنُ في هذا الحديث، قال: أخبرنا الشَّافعيُّ عن عبد العزيز، قال: فذكرتُ ذلك لسُهيلٍ، فقال: أخبرني ربيعةُ -وهو عندي ثقة- أني حدثْتُه إياه، ولا أحفظُه، قال عبدُ العزيز: وقد كان أصابَت سهيلًا علَّة أذهبتْ بعضَ عقْلِه، ونَسِيَ بعضَ حديثِه، فكان سهيلٌ بعد يُحدِّثُهُ، عن ربيعة، عنه، عن أبيه.
٣٦١١ - حدَّثنا محمدُ بنُ داودَ الإسكندرانيُّ، حدَّثنا زيادٌ -يعني ابن يونس-، حدَّثني سليمانُ بن بلال
عن ربيعةَ، بإسناد أبي مُصعب ومعناه، قال سليمان: فلقيتُ سهيلًا، فسألتُه عن هذا الحديث، فقال: ما أعرِفُه، فقلت له: إن ربيعةَ أخبرني به عَنكَ، قال: فإن كان ربيعةُ أخبرك عنِّي فحَدِّثْ به عن ربيعةَ عنّي (١).
٣٦١٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدةَ، حدَّثنا عمارُ بنُ شُعَيث بن عُبيد الله بن الزُّبَيبِ العنْبريُّ، حدَّثني أبي
سمعتُ جدّيَ الزُّبَيبَ يقول: بعث نبيُّ الله ﷺ جيشًا إلى بني العنْبرِ، فأخذُوهم برُكبَةَ من ناحية الطائف، فاستاقُوهم إلى نبيِّ الله ﷺ، فركبتُ، فسبَقتُهُم إلى النبيّ ﷺ، فقلت: السلامُ عليك يانبيَّ الله ورحمة الله وبركاته، أتانا جُندكَ فأخَذُونا، وقد كنا أسلمنا وخَضْرَمْنا آذانَ النَّعم، فلما قدم بَلْعَنْبَر، قال لي نبيُّ الله ﷺ: "هل لكم بيِّنة على أنكم أسلمتُم


(١) إسناده صحيح. محمد بن داود: هو ابن أبي ناجية.
وأخرجه ابن الجارود (١٠٠٧)، وابن حبان (٥٠٧٣)، والبيهقى ١٠/ ١٦٨ من طريق سليمان بن بلال، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.

قبلَ أن تُؤخَذُوا في هذه الأيام؟ «قلت: نعم، قال:»مَنْ بيِّنتك؟ «قلت: سَمُرَةُ رجلٌ من بني العنبر ورجل آخر سماه له، فشهد الرجل، وأبى سمرة أن يَشهَدَ، فقال نبي الله ﷺ:»قد أبى أن يشهدَ لكَ، فتحلفُ مع شاهدِكَ الأخَر؟ قلت: نعم، فاستَحْلَفني، فحَلَفْتُ بالله: لقد أسلمنا يَومَ كذا وكذا، وخَضْرَمنا آذان النَّعم، فقال نبيُّ الله ﷺ: «اذهبوا، فقاسِمُوهم أنصافَ الأموال، ولا تمسُّوا ذراريَهم، لولا أن الله لا يُحبُّ ضلالة العَمَل ما رزيناكم عقالًا». قال الزُّبَيب: فَدَعَتْني أمِّي، فقالت: هذا الرَّجل أخذ زُرْبِيَّتي، فانصرفتُ إلى النبيَّ ﷺ، يعني فأخبرتُه، فقال لي: «احْبِسْه»، فأخذتُ بتلبيبه، وقمتُ معه مكانَنا، ثم نظر إلينا رسولُ الله ﷺ ﷺ قائِمَين، فقال: «ما تريدُ بأسيرك؟» فأرسلته من يدي، فقام نبيُّ الله ﷺ، فقال للرجل: «رُدَّ على هذا زِرْبيَّه أُمِّه التي أخذتَ منها»، قال: يانبيَّ الله، إنها خَرَجَت مِن يدي، قال: فاختَلَعَ نبيُّ الله ﷺ سيفَ الرجل، فأعطانيه، وقال للرجل: «اذهب، فزدْه آصُعًا مِن طعام». قال: فزادَني آصُعًا من شعير (١).


(١) إسناده ضعيف لجهالة عمار بن شُعَيث، وأبوه يقبل عند المتابعة، ولم يتابع، من أجل ذلك قال الخطابي: إسناده ليس بذاك. ومع ذلك فقد حسَّن ابنُ عبد البر هذا الحديث في «الاستيعاب» في ترجمة الزبيب بن ثعلبة.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (١٢٠٩) وابن قانع ١/ ٢٤٢، والخطابي في «غريب الحديث، ١/ ٤٨٤، والبيهقي ١٠/ ١٧١ من طريق أحمد بن عبدة الضبي، بهذا الإسناد. ولفظ ابن قانع: قضى رسولُ الله ﷺ باليمين مع الشاهد.
وأخرجه ابن قانع ١/ ٢٤٢ أو الطبراني في»الكبير" (٥٢٩٩) من طرق عن شعيث ابن عُبيد الله، عن أبيه، عن جده - فزاد في الإسناد عُبيد الله بن زبيب، وهذا قد ذكره =

٢٢ - باب في الرجلين يدَّعيان شيئًا وليست لهما بيِّنة
٣٦١٣ - حدَّثنا محمد بن المنهال الضرير، حدَّثنا يزيدُ بنُ زُرَيع، حدَّثنا ابنُ أبي عَروبة، عن قتادة، عن سعيد بن أبي بُردة، عن أبيه
عن جده أبي موسى الأشعريِّ: أن رجلين ادَّعيا بعيرًا، أو دابّةً، إلى النبيِّ ﷺ، ليست لواحدٍ منهما بيّنةٌ، فجعلَه النبيَّ ﷺ بينهما (١).


= ابن حبان في «ثقات التابعين». قال الحافظ في «تهذيب التهذيب» في ترجمته: يُحتمل أن يكون شعيث سمعه من أبيه عُبيد الله عن جده، ثم سمعه من جده، والله أعلم.
ولفظ ابن قانع سبق ذكره قريبًا.
قال الخطابي: قوله: خضرمنا آذان النعم: أي: قطعنا أطرافَ آذانها، وكان ذلك في الأموالِ علامةً بين من أسلم وبين من لم يُسلم. والمخضرمون: قومٌ أدركوا الجاهلية وبقوا إلى أن أسلموا، ويقال: إن أصل الخضرمة خلط الشيء بالشيء.
و«ضلالة العمل»: بطلانُه وذهابُ نفعه، ويقال: ضَلَّ اللبن في الماء: إذا بطل وتلِف.
وقوله: «ما رزيناكم عقالًا» اللغة الفصيحة: ما رزأناكم، بالهمز يريد ما أصبنا من أموالكم عقالًا، ويقال: ما رزأته زِبالًا، أي: ما أصبتُ منه ما تحمله نملة، والزِّربية: الطنفسة.
وفي الحديث استعمالُ اليمين مع الشاهد في غيرِ الأموال إلا أن إسنادَه ليس بذاك، وقد يحتمل أيضًا أن يكون اليمين قد قصد بها ها هنا الأموال، لأن الإسلام يعصِمُ المالَ كما يحقن الدمَ.
وقد ذهب قوم من العلماء إلى ايجاب اليمين مع البينة العادلة، كان شريح والشعبي والنخعي يرون أن يُسْتَحْلَفَ الرجلُ مع بينته، واستحلف شريحٌ رجلًا فكأنه تأبى اليمين، فقال: بئس ما تثني على شهودي، وهو قولُ سوّار بن عبد الله القاضي، وقال إسحاق: إذا استراب الحاكم أوجبَ ذلك.
(١) حديث معلٌّ عند أهل الحديث مع الاختلاف في إسناده على قتادة، ولا يصح وصله، كلما هو مبيّن في تعليقنا على «المسند» (١٩٦٠٣). =

٣٦١٤ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا يحيى بنُ آدم، حدَّثنا عبدُ الرحيم ابن سليمان، عن سعيدٍ، بإسناده ومعناه (١).
٣٦١٥ - حدَّثنا محمدُ بنُ بشّار، حدَّثنا حجّاجُ بنُ منهالٍ، حدَّثنا هَمَّامٌ
عن قتادَةَ، بمعناه وإسناده: أن رجلين ادَّعيا بعيرًا على عَهْدِ النبي ﷺ، فبَعَثَ كلُّ واحدٍ منهما شاهِدَينِ، فقسَمَه النبي ﷺ بينهما نِصفَين (٢).


= وأخرجه ابن ماجه (٢٣٣٠)، والنسائي (٥٤٢٤) من طريق سعيد بن أبي عروبة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٦٠٣).
وانظر تالييه.
قال الخطابي: اختلف العلماء في الشيء يكون في يدي الرجل فيتداعاه اثنان، ويُقيم كل واحدٍ منهما بينةً، فقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: يُقرع بينهما فمن خرجت له القرعة صار له. وكان ان الشافعي يقول به قديما، ثم قال في الجديد: فيه قولان: أحدهما: يقضى به بينهما نصفين وبه قال أصحاب الرأي وسفيان الثوري.
والقول الآخر: يقرع بينهما وأيهما خرج سهمه حلف: لقد شهد شهوده بحق ثم يقضى له به.
وقال مالك: لا أحكمُ به لواحد منهما إذا كان في يد غيرهما، وحُكي عنه أنه قال: هو لأعْدَلِهما شُهودًا وأشهرهما بالصلاح.
وقال الأوزاعي: يؤخذ بأكثر البَيِّنتين عددًا، وحُكيَ عن الشعبي أنه قال: هو بينهما على حصص الشهود.
(١) حديث معلٌّ كما بيناه في «مسند أحمد» (١٩٦٠٣).
وانظر ما قبله.
(٢) حديث معلٌّ كما بيناه في «مسند أحمد» (١٩٦٠٣).
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٠/ ١٨٤، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٧٥٤)، وابن الغطريف في «جزئه» (١٤) من طريق عفان، وأبو يعلى (٧٢٨٠)، والطحاوي =

٣٦١٦ - حدَّثنا محمدُ بنُ منهال، حدَّثنا يزيدُ بنُ زُرَيع، حدَّثنا ابنُ أبي عَروبة، عن قتادةَ، عن خلاسٍ، عن أبي رافعِ
عن أبي هريرة: أن رَجُلَين اختصَما في متاعٍ إلى النبي ﷺ، ليس لواحدٍ منهما بينةٌ، فقال النبيَّ ﷺ: «اسْتَهِما على اليَمين ما كان، أحبَّا ذلك أو كَرِهَا» (١).
٣٦١٧ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبلٍ وسَلَمَةُ بنُ شَبيبٍ، قالا: حدَّثنا عبدُ الرزاق -قال أحمدُ: قال:- حدَّثنا مَعْمَرٌ، عن همَّام بن مُنبِّهَ
عن أبي هريرة، عن النبيِّ ﷺ، قال: «إذا كَرِهَ الاثنان اليمينَ، أو استحباها فليستهما عليها». قال. سلمة: قال: أخبرنا معمرٌ، وقال: إذا أُكْرِهَ الاثنانِ على اليمين (٢).


= (٤٧٥٥)، والحاكم ٤/ ٩٥، والبيهقي ١٠/ ٢٥٧، ٢٥٩، وفي «السنن الصغرى» (٤٣٤١) من طريق هدبة بن خالد، كلاهما عن همام، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد في «العلل»، (٢٧١) و(٣٦٩) عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن همام، عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه مرسلًا لم يذكر أبا موسى في الإسناد.
وانظر سابقيه.
(١) إسناده صحيح. أبو رافع: هو نُفيع الصائغ، وخِلاس: هو ابن عمرو الهَجَري، ابن أبي عروبة: هو سعيد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٤٦) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى، والنسائي في «الكبرى» (٥٩٥٧) من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٠٣٤٧).
وانظر تالييه.
قال الخطابي: معنى الاستهام هنا الاقتراع، يريد أنهما يقترعان فأيهما خرجت له القرعة حَلَفَ وأخذ ما ادعاه، وروي ما يشبه هذا عن علي رضي الله عنه.
(٢) إسناده صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٨٢٠٩). =

٣٦١٨ - حدَّثنا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا خالدُ بنُ الحارث عن سعيد بن أبي عَرُوبة بإسناد ابن منهالِ، مثله، قال: في دابَّة،
وليس لهما بينةٌ، فأمرَهُما رسولُ الله ﷺ أن يَستَهِما على اليمين (١).

٢٣ - باب اليمين على المدَّعى عليه
٣٦١٩ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسلَمةَ القَعنبيُّ، حدَّثنا نافعُ بن عُمرَ، عن ابن أبي مُلَيكة، قال:
كتب إليَّ ابن عباس: أن رسولَ الله ﷺ قَضَى باليمينِ على المُدَّعَى عَليه (٢).


= وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٥٢١٢)، ومن طريق البخاري (٢٦٧٤)، والنسائي في «الكبرى» (٥٩٥٨) لكن بلفظ: أن النبي ﷺ عرض على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يُسهم بينهم في اليمين، أيهم يحلف.
قال الخطابي وغيره: الإكراه هنا لا يُراد به حقيقته، لأن الإنسان لا يكره على اليمين، وإنما المعنى: إذا توجهت اليمين على اثنين، وأرادا الحلف. سواء كانا كارهين لذلك بقلبيهما وهو معنى الإكراه، أو مختارين لذلك بقلبيهما وهو معنى الاستحباب، وتنازعا: أيهما يبدأ، فلا يقدم أحدهما على الآخر بالتشهي بل بالقرعة وهو المراد بقوله: فليستهما، أي؟ فليقترعا.
(١) إسناده صحيح.
وهو في «مصنف ابن أبي شيبة» ٦/ ٣١٨، وعنه ابن ماجه (٢٣٢٩).
وأخرجه النسائي (٥٩٥٦) عن عمرو بن علي الفلاس، عن خالد بن الحارث، بهذا الإسناد.
وانظر سابقيه.
(٢) إسناده صحيح. ابن أبي مُليكة: هو عَبد الله بن عُبيد الله.
وأخرجه البخاري (٢٥١٤) و(٢٦٦٨)، ومسلم (١٧١١)، والترمذي (١٣٩١)، والنسائي (٥٤٢٥) من طرق عن نافع بن عمر، به. وزاد النسائي في روايته قصة هذه المكاتبة. =

٢٤ - باب كيف اليمين؟
٣٦٢٠ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو الأحوص، حدَّثنا عطاءُ بنُ السَّائب، عن أبي يحيى
عن ابنِ عباس، أن النبيَّ ﷺ قال - يعني لرجل حلَّفه -: «احلفْ بالله الذي لا إله إلا هو ما لَهُ عندك شيء»، يعني للمدَّعي (١).


= وأخرجه بنحوه البخاري (٤٥٥٢)، ومسلم (١٧١١)، وابن ماجه (٢٣٢١) من طريق ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، به. وذكره البخاري ضمن القصة المشار إليها.
وهو في «مسند أحمد» (٣١٨٨)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠٨٣).
وروى البيهقي في «سننه، ١٠/ ٢٥٢ بإسناد حسن من حديث ابن عباس رفعه:»لو يُعطى الناسُ بدعواهم ... ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر«.
قال ابن المنذر في»الإجماع، ص ٧٥: أجمع أهل العلم على أن البينة على المدَّعي واليمين على المدَّعَى عليه.
(١) إسناده ضعيف. عطاء بن السائب اختلط بأخرة، وقد تفرد بهذا الحديث، وعدَّ الحافظ الذهبي في «ميزان الاعتدال» هذا الحديث من مناكيره، وقد اضطرب في متن الحديث كما أوضحناه في «مسند أحمد» (٢٢٨٠). واختلف عليه في إسناده كذلك، فقد رواه حماد بن سلمة وعبد الوارث والثوري وجرير وشريك -فيما قاله البيهقي ١٠/ ٣٧ -، عن عطاء، عن أبي يحيى، عن ابن عباس، ورواه شعبة عن عطاء ابن السائب، عن أبي البختري، عن عَبيدة السلماني، عن ابن الزبير. أبو الأحوص: هو سلاّم بن سليم، وأبو يحيى: هو زياد المكي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٩٦٤) عن هناد بن السري، عن أبي الأحوص، به، وهو في «مسند أحمد» (٢٦٩٥).
وانظر ما سلف برقم (٣٢٧٥).
وقد صح في صيغة اليمين هذه عن ابن عباس في قصة الملاعنة عند البيهقي ٧/ ٣٩٥ أن النبي ﷺ قال لهلال بن أمية وقد قذف امرأته: «احلف بالله الذي لا إله إلا هو إني لصادق».

قال أبو داود: أبو يحيى اسمه زياد، كوفي ثقة (١).

٢٥ - باب إذا كان المدَّعَى عليه ذِميًا، أيحلف؟
٣٦٢١ - حدَّثنا محمدُ بنُ عيسى، حدَّثنا أبو معاويةَ، حدَّثنا الأعمشُ، عن شقيق عن الأشعثِ، قال: كانَ بيني وبينَ رَجُلٍ من اليهود أرضٌ، فجَحَدَني، فقدَّمته إلى النبيِّ ﷺ، فقال لي النبيُّ ﷺ: «ألَكَ بيِّنةٌ؟» قلت: لا، قال لليهوديِّ: «احلفْ»، قلت: يا رسول الله ﷺ، إذًا يحلفَ ويَذهَبَ بمالي، فأنزل الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ﴾ إلى آخر الآية [آل عمران:٧٧]٢)

٢٦ - باب الرجل يحلف على علمه فيما غاب عنه
٣٦٢٢ - حدَّثنا محمودُ بنُ خالد، حدَّثنا الفريابيُّ، حدَّثنا الحارثُ بن سليمان، حدَّثني كُردُوس
عن الأشعث بن قيسٍ: أن رجلًا من كندةَ، ورجلًا من حَضْرَموتَ اختصما إلى النبيِّ ﷺ في أرضٍ من اليمن، فقال الحضرمي: يا رسول الله ﷺ، إن أرضي اغتَصَبنيها أبو هذا، وهي في يَدهِ، قال: «هل لك بيِّنةٌ؟» قال: لا، ولكن أَحْلِفْه، واللهُ يعلمُ أنها أرضي، اغتصبنيها أبوه، فتهيأ الكنديُّ لليمين، وساق الحديث (٣).


(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ)، وأشار هناك إلى أنها في رواية أي عيسى الرملي.
(٢) إسناده صحح. وهو مكرر الحديث السالف برقم (٣٢٤٣).
(٣) إسناده ضعيف. وهو مكرر الحديث السالف برقم (٣٢٤٤).

٣٦٢٣ - حدَّثنا هنَّادُ بنُ السَّريِّ، حدَّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن علقمة بن وائل بن حُجرٍ الحضرميِّ
عن أبيه، قال: جاء رجلٌ من حضرموت، ورجلٌ من كندة، إلى رسول الله ﷺ، فقال الحضرميّ يا رسولَ الله، إن هذا غلبني على أرضِ كانت لأبي، فقال الكندي: هيَ أرضي في يدي أزْرَعُها، ليس له فيها حَقٌ، فقال رسول الله ﷺ للحضرميِّ: «ألكَ بيّنةٌ؟» قال: لا، قال: «فلكَ يمينُه»، فقال: يا رسول الله، إنه فاجِرٌ، لَيسَ يُبَالي ما حَلَف، ليس يَتورَّع من شيء، فقال: «لَيسَ لكَ منه إلا ذلك» (١).

٢٧ - باب كيف يَحْلِفُ الذِّمي؟
٣٦٢٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بن فارس، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزهريِّ، حدَّثنا رجلٌ من مُزينة، ونحن عندَ سعيد بن المُسيِّب
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: يعني لليهود: «أَنْشُدُكم بالله الذي أنزل التَّوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على مَن زنى؟ لأ وساق الحديث في قصة الرَّجم (٢).
٣٦٢٥ - حدَّثنا عبدُ العزيز بن يحيى أبو الأصْبغ، حدَّثني محمدٌ، -يعني ابن سلمة، عن محمد بن إسحاق


(١) إسناده صحيح. وهو مكرر الحديث السالف برقم (٣٢٤٥).
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، شيخ الزهري -وإن كان مبهمًا- قد أثنى عليه الزهري فذكر أنه ممن يتبع العلم ويعيه كما سيأتي بعده، وذكر ابن المبارك عند الطبري في»تفسيره" ٢/ ٢٣٣ عن الزهري أن سعيد بن المسيب كان يوقره، وقد شهد أبوه الحديبية، فإبهام مثله لا يضر.
وسيأتي مطولًا برقم (٤٤٥٠)، ويأتي تخريجه هناك.
وانظر ما سلف برقم (٤٨٨)، وما بعده.

عن الزهريِّ، بهذا الحديث وبإسناده، حدَّثني رجلٌ من مُزَينةَ ممن كان يتَّبع العِلْمَ ويَعيهِ، يُحدِّثُ سعيد بن المسيِّب، وساق الحديث بمعناه (١).
٣٦٢٦ - حدَّثنا محمدُ بنُ المُثنَّى، حدَّثنا عبدُ الأعلى، حدَّثنا سعيد، عن قتادة عن عِكرمة: أن النبيَّ ﷺ قال له -يعني لابن صُورِيَا- «أذَكِّرُكُم بالله الذي نجَّاكم من آل فرعون، وأَقْطَعَكم البحر، وظَلَّلَ عليكم الغَمامَ، وأنزَلَ عليكُمُ المنَّ والسَّلوى، وأنزل التوراة على موسى، أتَجدُون في كتابكم الرَّجمَ؟» قال: ذكَّرْتَني بعظيمٍ، ولا يَسَعُني أن أَكذِبَكَ، وساق الحديث٢).

٢٨ - باب الرجل يحلف على حقه
٣٦٢٧ - حدَّثنا عبدُ الوهَّاب بن نجدةَ وموسى بنُ مروان الرَّقي، قالا: حدَّثنا بقيةُ بنُ الوليد، عن بَحير بن سَعْدٍ، عن خالد بن مَعْدانَ، عن سيفٍ
عن عوف بن مالك، أنه حدَّثهم: أن النبيّ ﷺ قضى بين رجلين، فقال المَقضيُّ عليه لما أدْبرَ: حَسْبيَ الله ونعْمَ الوكيل، فقال النبيَّ ﷺ: «إن الله عز وجل يلومُ على العَجْزِ ولكنْ عَليكَ بالكَيسِ، فإذا غَلَبَكَ أمرٌ فقل: حَسْبِيَ الله ونِعْمَ الوكيل» (٣).


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن كسابقه.
وسيأتي تخريجه برقم (٤٤٥٠).
(٢) رجاله ثقات، لكنه مرسلٌ. قال الزيلعي في «نصب الراية» ٤/ ١٣٠: جعله شيخنا علاء الدين مسندًا من رواية ابن عباس مقلدًا لغيره في ذلك، وهو وهم، ولم يخرجه أبو داود إلا مرسلًا هكذا ذكره في كتاب الأقضية.
(٣) إسناده ضعيف بقية بن الوليد على ضعفه مدلس وقد عنعن، سيف -وهو الشامي- قال الذهبي: لا يعرف. =

٢٩ - باب في الحَبْس في الدين وغيره
٣٦٢٨ حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمد النُّفيليُّ، حدَّثنا عبدُ الله بنُ المبارك، عن وَبْر بن أبي دُلَيلة، عن محمد بن ميمون، عن عمرو بن الشَّريد
عن أبيه، عن رسولِ الله ﷺ قال: «لَيُّ الواجِدِ يحل عِرضَه وعقوبَتَه». قال ابن المبارك: يُحلُّ عرضَه: يُغلَّظُ له، وعقوبتُه: يُحبَسُ له (١).


= وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١٠٣٨٧) من طريق بقية بن الوليد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٩٨٣).
وفي الباب عن الزهري مرسلًا عند البيهقي ١٠/ ١٨١ ورجاله ثقات.
قال المنذري: العجز ترك ما يجب فعله بالتسويف، وهو عام في أمور الدنيا والدين.
والكيس في الأمور يجري مجرى الرفق والفطنة، والكيس: العقل.
(١) إسناده حسن. محمد بن ميمون -وهو ابن مسيكة- روى عنه وبْر الطائفي وأثنى عليه خيرًا، وقال أبو حاتم: روى عنه الطائفيون، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وصحح له هذا الحديث، وحسن هذا الإسناد الحافظ في «الفتح» ٥/ ٦٢.
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٢٧)، والنسائي (٤٦٨٩) و(٤٦٩٠) من طريق وبْر بن أبي دليلة.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٩٤٦)، و«صحيح ابن حبان»، (٥٠٨٩).
وعلقه البخاري قبل الحديث (٢٤٠١).
قال الخطابي: في الحديث دليل على أن المعسر لا حبس عليه، لأنه إنما أباح حبسه إذا كان واجدًا، والمُعدِمُ غير واجد فلا حبس عليه.
وقد اختلف الناس في هذا، فكان شريح يرى حبس المليء والمعدم، إلى هذا ذهب أصحابُ الرأي.
وقال مالك: لا حبس على معسر، إنما حظه الإنظار، ومذهب الشافعي: أن من كان ظاهرُ حالِه العسر، فلا يُحبس، ومن كان ظاهرُ حاله اليسار حُبِس إذا امتنع من أداء الحق، ومن أصحابه من يدعي فيه زيادة شرط، وقد بينه.

٣٦٢٩ - حدَّثنا معاذُ بن أسدٍ، حدَّثنا النضرُ بنُ شُميل، أخبرنا هِرماسُ بنُ حبيب رجلٌ مِن أهل البادية - عن أبيه
عن جده قال: أتيتُ النبي ﷺ بغَريم لي، فقال لي: «الزَمْه»، ثم قال: «يا أخا بني تميم، ما تُريدُ أن تَفعلَ بأسيرِك؟» (١).
٣٦٣٠ - حدَّثنا إبراهيمُ بنُ موسى الرازيُّ، أخبرنا عبدُ الرزاق، عن مَعمير، عن بَهْزِ بن حَكيم، عن أبيه
عن جده: أن النبيَّ ﷺ حَبَسَ رَجُلًا في تُهْمَةٍ (٢).
٣٦٣١ - حدَّثنا محمدُ بنُ قُدامة، ومُؤمَّلُ بنُ هشام -قال ابنُ قُدامة:- حدَّثني إسماعيلُ، عن بَهزِ بن حَكيم، عن أبيه
عن جده، -قال ابنُ قدامة: إن أخاه أو عَمَّه، وقال مُؤمَّل: إنه - قام إلى النبيِّ ﷺ وهو يَخطُبُ، فقال: جيراني بما أُخِذُوا، فأعْرَضَ عنه -مرَّتين- ثم ذكر شيئًا، فقال النبيَّ ﷺ: «خَلُّوا له عن جيرانه» - لم يذكر مُؤمَّلٌ: وهو يخطُبُ (٣).


(١) إسناده ضعيف لجهالة الهرماس بن حبيب وأبيه.
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٢٨) من طريق النضر بن شميل، بهذا الإسناد.
(٢) إسناده حسن. بهز بن حكيم وأبوه صدوقان.
وأخرجه الترمذي (١٤٧٦)، والنسائي (٤٨٧٥) و(٤٨٧٦) من طريق بهز بن حكيم، به. وقال الترمذي: حديث بهز عن أبيه عن جده حديث حسن.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٠١٩).
وانظر ما بعده.
(٣) إسناده حسن كسابقه. إسماعيل: هو ابن إبراهيم بن مِقْسَم، المعروف بابن عُليَّه.
وانظر ما قبله. =

٣٠ - باب في الوكالة
٣٦٣٢ - حدَّثنا عُبيدُ الله بن سعْد بن إبراهيم، حدَّثنا عَمِّي، حدَّثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن أبي نُعيم وَهْبِ بن كيسانَ
عن جابر بن عبد الله، أنه سَمِعَه يُحدّث، قال: أردتُ الخروجَ إلى خَيْبرَ، فأتيتُ رسولَ الله ﷺ، فسلَّمتُ عليه، وقلت له: إني أردتُ الخروجَ إلى خيبرَ، فقال: إذا أتيتَ وكيلي، فخذ منه خمسةَ عَشَرَ وَسْقًا، فإن ابتَغَى منكَ آيةً، فضَعْ يَدَكَ على تَرْقُوَتِه» (١).


= قال الخطابي: فيه دليل على أن الحبس على ضربين: حبس عقوبة وحبس استظهار، فالعقوبة لا تكون إلا في واجب، وأما ما كان في تهمة، فإنما يُستظهرُ بذلك ليستكشف به عما وراءه. وقد روي: أنه حبس رجلًا في تهمة ساعة من نهار، ثم خلى سبيله.
(١) إسناده ضعيف. ابن إسحاق -وهو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم - مدلس ولم يصرح بالسماع، وهو كذلك في سائر أصولنا الخطية وكذا في سائر مصادر تخريج الحديث، لكن جاء عند الزيلعي في «نصب الراية» ٤/ ٩٤ - وقد عزاه لأبي داود-: عن ابن إسحاق، حدثني وهب بن كيسان. وهو غريب، ولم يتابعه على ذلك أحد ممن عزاه لأبي داود. ومع ذلك فقد حسَّن إسنادَه الحافظُ في «التلخيمى الحبير» ٣/ ٥١، وسكت عنه عبد الحق الاشبيلي مصححًا له. وعلق البخاريُّ طرفًا منه قبل الحديث (٣١٣١) بلفظ: وما أعطى جابرَ بن عبد الله من تمر خيبر. وعمُّ عُبيد الله: هو يعقوب.
وأخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في «البيوع» كما في تغليق التعليق«٣/ ٤٧٧، والحسين بن إسماعيل المحاملي في»المحامليات«كما في»هدي الساري«ص ٤٨، والدارقطني (٤٣٠٤) والبيهقي ٦/ ٨٠، وابن حجر في»تغليق التعليق«٣/ ٤٧٦ - ٤٧٧ من طريق عُبيد الله بن سعد، بهذا الإسناد.
وقد صح في مشروعية الوكالة غير ما حديث، منها حديث أبي موسى الأشعري عند البخاري (١٤٣٨)، ومسلم (١٠٢٣) عن النبي ﷺ قال:»الخازن المسلم الأمين، الذي يُنْفِذ ما أُمر به كاملًا مُوفَّرًا طيبًا به نفسه، فيدفعُه إلى الذي أمر له به، أحدُ المتصدقين".
وقد سلف عند المصنف برقم (١٦٨٤). =

٣١ - أبواب من القضاء
٣٦٣٣ - حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيم، حدَّثنا المثنَّى بنُ سعيد، حدَّثنا قتادةُ، عن بُشير بن كعب العدويِّ
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ،قال: «إذا تَدَارأتُم في طَريقٍ فاجعَلُوه سَبْعةَ أَذرُع» (١).


= وبعد أن ذكر الحافظ ابن كثير في «تخريج أحاديث التنبيه» ٢/ ٦٢ هذا الحديث مع حديث ابن إسحاق قال: ففي ذلك دلالة على مشروعية التوكيل في الجملة مع الإجماع على ذلك.
الترقوة: العظم الذي بين ثُغرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين، وقيل: مقدم الحلق في أعلى الصدر حيث يرقى فيه النفس.
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٣٨)، والترمذي (١٤٠٦) من طريقين عن المثنى بن سعيد، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأخرجه الترمذي (١٤٠٥) عن أبي كريب، عن وكيع، عن المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن بشير بن نَهيك، عن أبي هريرة. وقال الترمذي: وروى بعضهم هذا الحديث عن قتادة، عن بشير بن نَهيك، عن أبي هريرة. وهو غير محفوظ.
وهو في «مسند أحمد» (٩٥٣٧).
وأخرجه البخاري (٢٤٧٣) من طريق الزبير بن خرِّيت، عن عكرمة، ومسلم (١٦١٣) من طريق عبد الله بن الحارث، كلاهما عن أبي هريرة.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٢٦) و(١٠٤١٧)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠٦٧).
قال الخطابي: هذا في الطرق الشارعة والسبل النافذة التي كثر فيها المارة، أمر بتوسعتها لئلا تضيق عن الحمولة دون الأزقة الروابع التي لا تنفذ، ودون الطرق التي يدخل منها القومُ إلى بيوتهم إذا اقتسم الشركاء بينهم ربعًا وأحرزوا حصصهم، وتركوا بينهم طريقًا منه إليها.
ويشبه أن يكونَ هذا على معنى الإرفاق والاستصلاح دون الحصر والتحديد.

٣٦٣٤ - حدَّثنا مُسدَّدٌ وابنُ أبي خَلفٍ، قالا: حدَّثنا سفيانُ، عن الزهريِّ، عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إذا استَأذَنَ أحَدُكُم أخاه أن يَغرِزَ خَشَبةَ في جداره فلا يَمْنَعْهُ». فنكَّسوا، فقال: ما لي أرَاكم قد أعرضتُم؟ لأُلقِينَّها بين أكتافِكُم (١).
قال أبو داود: وهذا حديثُ ابن أبي خلَفٍ، وهو أتمُّ.
٣٦٣٥ حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا الليثُ بن سعْد، عن يحيى، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن لؤلؤة


(١) إسناده صحيح. الأعرج: هو عبد الرحمن بن هُرمُز، وسفيان: هو ابن عيينة، وابن أبي خلف: هو محمد بن أحمد بن أبي خلف السلمي مولاهم، ومُسدَّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه البخاري (٢٤٦٣)، ومسلم (١٦٠٩)، وابن ماجه (٢٣٣٥)، والترمذي (١٤٠٣) من طرق عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٧٨)، و«صحيح ابن حبان» (٥١٥)، قال الخطابي في «معالم السنن»: عامة العلماء يذهبون في تأويله إلى أنه ليس بإيجاب يُحمل عليه الناسُ من جهةِ الحكم، وإنما هو من باب المعروف وحسن الجرار، إلا أحمد بن حنبل فإنه رآه على الوجوب، وقال: على الحكام أن يقضوا به على الجار ويُمضوه عليه إن امتنع منه.
قلنا: وذكر الحافظ في «الفتح» أن إسحاق بن راهويه يقول بقول أحمد وكذا ابنُ حبيب من المالكية والشافعي في القديم، وذكر أن الشافعي في الجديد عنه قولان: أشهرهما اشتراط إذن المالك.
وقول أبي هريرة: لألقينها بين أكتافكم، قال الخطابي في «أعلام الحديث» ٢/ ١٢٢٨: كأنه يقول: إن لم تقبلوه، فتتلقوه بأيديكم راضين، حملتُه على رقابكم كارهين.

عن أبي صِرْمة -قال غير قتيبة في هذا الحديث: عن أبي صِرْمَةَ صاحبِ النبي ﷺ ثم رجَعْتُ إلى حديث قتيبة بن سعيد- عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «من ضَارَّ أضَرَّ الله به، ومن شَاقَّ شَاقَّ الله عليه» (١).
٣٦٣٦ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داودَ العَتَكيُّ، حدَّثنا حمادٌ، حدَّثنا واصل مولى أبي عُيينة، قال: سمعتُ أبا جعفر محمدَ بنَ عليٍّ يُحدث
عن سَمُرَة بن جندب: أنه قال: كانت له عَضُدٌ من نَخْلِ في حائطِ رَجُلٍ من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: فكان سَمُرَةُ يَدخُلُ إلى نخله فيتأذَّى به، ويشُقُّ عليه، فطلَبَ إليه أن يَبيعَه، فأبى، فطلب إليه أن يُناقلَه، فأبى، فأتى النبي ﷺ فذكر ذلك له، فطلبَ إليه النبيُّ ﷺ أن يبيعَه، فأبى، فطلب إليه أن يُناقِلَه، فأبى، قال: «فهَبْهُ له ولك كذا وكذا» أمرًا رغَّبَه فيه، فأبى، فقال: «أنت مُضارٌّ» فقال رسولُ الله ﷺ للأنصاري: «اذهب فاقْلَعْ نخلهُ» (٢).


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة لؤلؤة، فقد ذكرها الحافظ الذهبي في «الميزان» ٤/ ٦١٠ في المجهولات. يحيى: هو ابن سعيد الأنصاري.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٤٢)، والترمذي (٢٠٥٤) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٧٥٥).
وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند ابن ماجه (٢٣٤٠) أن النبي ﷺ قضى أن لا ضرر ولا ضرار. وإسناده ضعيف.
وقد ذكرنا هناك كلامَ الأئمة في تقوية هذا الخبر، وذكرنا هناك أيضًا تمام شواهد الحديث بنوع من التفصيل، فراجعه.
وانظر «جامع العلوم والحكم» للحافظ ابن رجب ٢/ ٢٠٧ - ٢٢٥ بتحقيقنا.
(٢) إسناده ضعيف لانقطاعه. أبو جعفر محمد بن علي -وهو ابن الحسين بن علي ابن أبي طالب الباقر- لم يدرك السماع من سمرة بن جندب، فقد ذكر أحمد بن البرقي =

٣٦٣٧ - حدَّثنا أبو الوليد الطَّيالسيُّ، حدَّثنا الليثُ، عن الزهريِّ، عن عُروة
أن عبد الله بن الزبير حدَّثه، أن رجلًا خاصم الزبيرَ في شِراج الحَرَّة التي يَسْقُونَ بها، فقال الأنصاري: سَرِّح الماءَ يمرُّ، فأبى عليه الزبيرُ، فقال رسولُ الله ﷺ للزبير: «اسْقِ يا زبيرُ، ثم أرسل الماء إلى جارك»، فغَضِبَ الأنصاريُّ، فقال: يا رسول الله، أن كان ابنَ عمتِك؟ فتلوَّن وَجْهُ رسولِ الله ﷺ ثم قال: «اسْقِ، ثمَّ احْبِسِ الماءَ حتّى يَرجعَ إلى الجَدْر» فقال الزبير: فوالله إني لأحسبُ هذه الآية نزلَتْ في ذلك: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ﴾ [النساء:٦٥] (١).


= أن مولد أبي جعفر كان سنة ست وخمسين. وكانت وفاةُ سمرة على أعلى تقدير سنة ستين، فيكون عمر أبي جعفر عند وفاة سمرة خمس سنين. ومما يؤيد ذلك أن أباه علي زين العابدين كان عمره يوم كربلاء سنة إحدى وستين ثلاثة وعشرين عامًا، وبذلك يكون عُمر زين العابدين يوم ولد له أبو جعفر ثمانية عشر عاما. وهو معقول. وقال المنذري في «مختصر السنن»: في سماع الباقر من سمرة بن جندب نظر، وقد نقل في مولده ووفاة سمرة ما يتعذّر معه سماعه منه، وقيل فيه: ما يمكن معه السماع منه، والله عز وجل أعلم.
وأخرجه البيهقي ٦/ ١٥٧ من طريق أبي الربيع سليمان بن داود العتكي، بهذا الإسناد. وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي ﷺ، سلف عند المصنف برقم (٣٠٧٤) و(٣٠٧٥) وإسناده حسن.
قال الخطابي: رواه أبو داود: عضدًا، انما هو: عضيد من نخيل، يريد نخلًا لم تَبسُق ولم تَطُل، قال الأصمعي: إذا صار للنخلة جذع يتناول منه المتناولُ فتلك النخلةُ العَضيدُ، وجمعُه عَضِيداتٌ.
وفيه من العلم أنه أمر بإزالة الضرر عنه، وليس في هذا الخبر أنه قلع نخله، ويشبه أن يكون أنه إنما قال ذلك ليردعه به عن الإضرار.
(١) إسناده صحيح. عروة: هو ابن الزبير بن العوّام، والزهري: هو محمد بن مسلم ابن شهاب، والليث: هو ابن سعْد، وأبو الوليد الطيالسي: هو هشام بن عبد الملك. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه البخاري (٢٣٥٩)، ومسلم (٢٣٥٧)، وابن ماجه (١٥) و(٢٤٨٠)، والترمذي (١٤١٤) و(٣٢٧٦)، والنسائي (٥٤١٦) من طريق الليث بن سعد، بهذا الاسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦١١٦)، و«صحيح ابن حبان» (٢٤).
وأخرجه البخاري (٢٧٠٨) من طريق شعيب بن أبي حمزة، و(٢٣٦١) و(٤٥٨٥) من طريق معمر بن راشد، و(٢٣٦٢) من طريق ابن جريج، ثلاثتهم عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أبيه الزبير. وقد كان عمر عروة عند مقتل أبيه ثلاث عشرة سنة، وجزم البخاري بسماعه منه في «تاريخه» ٧/ ٣١، وذكر مسلم في «التمييز» أن عروة حفظ عن أبيه فمن دونهما من الصحابة.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٩).
وأخرجه النسائي (٥٤٠٧) من طريق عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد والليث بن سعد، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير بن العوام. قال أبو حاتم في «العلل» ١/ ٣٩٥: أخطأ ابن وهب في هذا الحديث. الليث لا يقول: عن الزبير.
وقال الحافظ في «الفتح» ٥/ ٣٥: وكأن ابنَ وهب حمل رواية الليث على رواية يونس، إلا فرواية الليث ليس فيها ذكر الزبير، والله أعلم.
قال الخطابي: شراج الحرة: مجاري الماء الذي يسيل منها، واحده شرج.
قال: وفيه من الفقه أن أصلَ المياه -الأودية والسيول التي لا تُملَكُ منابعُها ولم تستنبط بحفر وعمل- الإباحةُ، وأن الناس شَرعٌ، سواء في الارتفاق بها، وأن من سَبَق إلى شيء منها، فأحرزه، كان أحقَّ بهِ من غيره.
وفيه دليلٌ على أن أهلَ الشِّرب الأعلى مُقدَّمون على من هو أسفل لسبقه إليه، وأنه ليس للأعلى أن يحبسهُ عن الأسفل إذا أخذ حاجتَه منه.
فأما إذا كان أصلُ منبع الماء ملكًا لقوم، وهم فيه شركاء، أو كانت أيديهم عليه معًا، فإن الأعلى والأسفل فيه سواء، فإن اصطلحوا على أن يكون نُوَبًا بينهم، فهو على ما تراضوا به. وإن تشاحُّوا اقترعوا، فمن خرجت له القرعة، كان مبدوءًا به. =

٣٦٣٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ العلاء، حدَّثنا أبو أُسامة، عن الوليد -يعني ابن كثير- عن أبي مالكِ بن ثعلبةَ، عن أبيه ثعلبةَ بن أبي مالك
أنه سَمعَ كُبراءهم يذكرون: أن رجلًا من قريشِ كان له سَهْمٌ في بني قريظة، فخاصَمَ إلى رسولِ الله ﷺ في مهزُورٍ السَّيلِ الذي يقتسمون ماءَه، فقَضَى بينهم رسولُ الله ﷺ أن الماءَ إلى الكعبين لا يَحبِسُ الأعلى على الأسفل (١).


= وقد اختلف الناسُ في تأويل هذا الحديث:
فذهب بعضهم إلى أن القول الأول إنما كان من رسول الله ﷺ على وجه المشورة للزبير، وعلى سبيل المسألة في أن يطيب نفسًا لجاره الأنصاري، دون أن يكون ذلك منه حكمًا عليه، فلما خالفه الأنصاري، حكم عليه بالواجب من حكم الدين.
وذهب بعضُهم إلى أنه قد كفر حين ظن برسول الله ﷺ المحاباة للزبير. إذ كان ابنَ عمته. وأن ذلك القول منه كان ارتدادًا عن الدين، وإذا ارتد عن الإسلام زال ملكه عن ماله، وكان فيئا، فصرفه رسول الله ﷺ إلى الزبير إذ كان له أن يضع الفيء حيث أراه الله تعالى.
وفيه مستند لمن رأى جواز نسخ الشيء قبل العمل به.
وقال المنذري في «مختصر السنن»: الحرة: كل أرض ذات حجارة سود، وذلك لشدة حرّها ووهج الشمس فيها.
والجدْر: بفتح الجيم وسكون الدال المهملة، أي: الجدار.
وقوله: أن كان ابنَ عمتك. هو بفتح همزة أن المخففة، وهي للتعليل، كأنه قال: حكمت له بالتقديم لأجل أنه ابن عمتك، وكانت أم الزبير صفية بنت عبد المطلب.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة حال أبي مالك -وقيل: مالك، وهو الأشهر في اسمه- بن ثعلبة. وثعلبة مختلف في صحبته.
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٨١) من طريق زكريا بن منظور بن ثعلبة بن أبي مالك، عن محمد بن عقبة بن أبي مالك، عن عمه ثعلبة بن أبي مالك. وزكريا بن منظور ضعيف. =

٣٦٣٩ - حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدة، حدَّثنا المُغيرةُ بن عبد الرحمن، حدَّثني أبي عبد الرحمن بن الحارثِ، عن عَمْرِو بن شُعيب، عن أبيه
عن جدِّه: أن رسولَ الله ﷺ قضى في السَّيْل المهزورِ (١) أن يُمسكَ حتَّى يبلغ الكَعْبَين، ثم يُرسَلَ الأعلى على الأسْفَل (٢).
٣٦٤٠ حدَّثنا محمودُ بن خالد، أن محمدَ بن عثمان حدثهم، حدَّثنا عبدُ العزيز بن محمد، عن أبي طُوالةَ وعمرو بن يحيى، عن أبيه


= وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٢٠٠)، ومن طريق ابن الأثير في «أسد الغابة» ١/ ٢٩٢ في ترجمة ثعلبة، عن يعقوب بن حميد بن كاسب، عن إسحاق بن إبراهيم، عن صفوان بن سُليم، عن ثعلبة بن أبي مالك، ويعقوب بن حميد ضعيف يعتبر به، وإسحاق بن إبراهيم -وهو ابن سعيد الصوّاف- لين الحديث.
ويشهد له حديث عبد الله بن الزبير السالف قبله، والحديث الآتي بعده.
ويشهد له كذلك حديث عائشة عند الحاكم ٢/ ٦٢ وصححه، وسكت عنه الذهبي، وهو كذلك.
ومهزور: وادي بني قريظة.
(١) كذا في (أ) و(ب) و(هـ)، وفي (ج): سيل المَهزُور وفي نسخة أشار إليها محمد زكريا الكاندهلوي: سَيل مَهزُور، وهو كذلك في رواية ابن ماجه عن أحمد بن عَبْدة، شيخ أبي داود في هذا الحديث أيضًا، ونقل في «المرقاة» ٣/ ٣٧١ عن التوربشتي قوله: هذا اللفظ وجدناه مصروفًا عن وجهه، ففي بعض النسخ: في السيل المهزور، وهو الأكثر وفي بعضها في: سيل المهزور، بالاضافة، وكلاهما خطأ، وصوابه بغير ألف ولام فيهما بصيغة الأضافة إلى عَلَم.
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن في الشواهد من أجل عبد الرحمن بن الحارث -وهو ابن عبد الله بن عياش المخزومي- فهو حسن الحديث في المتابعات والشواهد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٨٢) عن أحمد بن عبدة، بهذا الإسناد.
ويشهد له الحديثان السالفان قبله.
وحديث عائشة عند الحاكم ٢/ ٦٢ وصححه وسكت عنه الذهبي، وهو كذلك.

عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، قال: اختَصَمَ إلى رسولِ الله ﷺ رجلانِ في حَريم نخلة، في حديثِ أحدهما -فأمرَ بها فذُرعت فوُجِدَتْ سبعةَ أذْرُع- وفي حديث الآخر: فوُجِدَتْ خمسةَ أذْرعُ -فقضى بذلك، قال عبد العزيز: فأمر بجَريدةٍ من جريدها فذُرِعَتْ (١).
آخر كتاب الأقضية


(١) إسناده قوي من أجل عبد العزيز بن محمد -وهو الدراوردي- فهو صدوق لا بأس به. عمرو بن يحيى: هو ابن عمارة المازني، وأبو طوالة: هو عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، ومحمد بن عثمان: هو التَّنُوخي أبو الجُماهر.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (١٨٩٨)، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٦/ ١٥٥ من طريق عبد العزيز بن محمد الدَّراوردي، عن عمرو بن يحيى المازني -وقُرن به عند البيهقي في أحد طريقيه أبوطوالة- به.
الحريم: هو كل موضع تلزم حمايته، وحريم البئر وغيرها: ما حولها من حقوقها ومرافقها، وحريم الدار: ما أضيف إليها، وكان من حقوقها.
وقوله: فقضى النبي ﷺ بذلك. قال في «عون المعبود» ١٠/ ٥٠: أي بأن يكون حريم شجر النخلة على قدر قامتها، فإن كانت النخلة سبعة أذرع يكون حريمها، أي: ما حواليها سبعة أذرع، وإن كانت أكثر من سبعة أذرع يكون حريمها مثلها، وإن كانت أقل من سبعة أذرع يكون حريمها مثلها في القلة، فلا يجوز لأحد أن يستولي على شيءٍ من حريمها وإن قل، ولكن له عمارة أو غيرها بعد حريمها، وكذلك الحكم لكل شجر من الأشجار، فيكون حريمه بقدر قامته.

 


google-playkhamsatmostaqltradent