recent
آخر المقالات

كتاب الصّيد

 

١ - باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره
٢٨٤٤ - حدَّثنا الحسنُ بن عليٍّ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا مَعمرٌ، عن الزهريِّ، عن أبي سلمةَ
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «من اتخذ كلبًا إلا كلْبَ ماشيةٍ أو صيدٍ أو زَرع انتقصَ من أجره كل يوم قِيراطٌ (١).



(١) إسناده صحيح. أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، والزهري: هو محمد بن مسلم ابن شهاب، ومعمر: هو ابن راشد، وعبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني.
وهو في»الجامع«لمعمر بن راشد المطبوع في آخر»مصنف عبد الرزاق«(١٩٦١٢) وزاد في روايته: فذكر لابن عمر قول أبي هريرة، قال: يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع.
وأخرجه مسلم (١٥٧٥)، والترمذي (١٥٦٠)، والنسائي (٤٢٨٩) من طريق الزهري، والبخاري (٢٣٢٢)، ومسلم (١٥٧٥)، وابن ماجه (٣٢٠٤) من طريق يحيي ابن أبي سلمة، كلاهما عن أبي سلمة، به. ولفظ يحيي:»إلا كلب حرث أو ماشية«.
وأخرجه مسلم (١٥٧٥) من طريق أبي رزين، عن أبي هريرة بلفظ:»ليس بكلب صيد ولا غنم«.
وأخرجه مسلم (١٥٧٥)، والنسائي (٤٢٩٠) من طريق ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، لكنه قال:»فإنه ينقُص من أجره قيراطان«.
وهو في»مسند أحمد«(٧٦٢١)، و»صحيح ابن حبان«(٥٦٥٢) قال الحافظ في»الفتح" ٥/ ٧: واختلفوا في اختلاف الروايتين في القيراطين والقيراط: فقيل: الحكم للزائد لكونه حفظ ما لم يحفظه الآخر، أو أنه ﷺ أخبر أولًا بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول، ثم أخبر ثانيا بنقص قيراطين زيادة في التأكيد في التنفير من ذلك فسمعه الراوي الثاني، وقيل: ينزل على حالين، فنقصان القيراطين باعتبار كثرة الأضرار =

٢٨٤٥ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يزيدُ، حدَّثنا يونسُ، عن الحسنِ


= باتخاذها، ونقص القيراط باعتبار قلته، وقيل: يختص نفص القيراطين بمن اتخذها بالمدينة الشريفة خاصة، والقيراط بما عداها، وقيل: يلتحق بالمدينة في ذلك سائر المدن والقرى، ويختص القيراط بأهل البوادي، وهو يلتفت إلى معنى كثرة التأذي وقلته، وكذا من قال: يحتمل أن يكون في نوعين من الكلاب، ففيما لابسه آدمي قيراطان، وفيما دونه قيراط.
وقال ابن عبد البر في«التمهيد» ١٤/ ٢١٩: وفي معنى هذا الحديث تدخل عندي إباحة اقتناء الكلاب للمنافع كلها ودفع المضارّ إذا احتاج الإنسان إلى ذلك، إلا أنه مكروه اقتناؤها في غير الوجوه المذكورة في هذه الآثار لنقصان أجر مقتنيها، والله أعلم.
وقال الخطابي: كان ابن عمر لا يذكر في هذا الحديث كلب الزرع. وقيل له: إن أبا هريرة ذكر كلب الزرع. فقال: إن لأبي هريرة زرعا. فتأوله بعض من لم يوفق للصواب على غير وجهه، وذهب إلى أنه قصد بهذا القول إنكاره، والتهمة له من أجل حاجته إلى الكلب لحراسة زرعه.
وليس الأمر كما قال، وإنما أراد ابن عمر تصديق أبي هريرة، وتوكيد قوله، وجعل إلى ذلك شاهدا له على علمه ومعرفته به. لأن من صدقت حاجته إلى شيء كثرت مسألته عنه، ودام طلبه له، حتى يدركه ويُحكمه. وقد رواه عبد الله بن مغفل المزنى وسفيان بن أبي وهب عن النبي ﷺ فذكرا فيه: «الزرع» كما ذكره أبو هريرة.
قلنا: أما حديث عبد الله بن مغفّل فهو عند ابن ماجه (٣٢٠٥)، والترمذي (١٥٦٠)، والنسائي (٤٢٨٠) و(٤٢٨٨) وإسناده صحيح.
وأما حديث سفيان بن أبي زهير -لا ابن أبي وهب كما قال الخطابي- فهو عند البخاري (٢٣٢٣)، ومسلم (١٥٧٦)، وابن ماجه (٣٢٠٦)، والنسائي (٤٢٨٥).
وفي بيان القيراطين المذكورين قال الحافظ في «الفتح» ٥/ ٧: اختلف في القيراطين المذكورين هنا، هل هما كالقيراطين المذكورين في الصلاة على الجنازة واتباعها؟ فقيل: بالتسوية، وقيل: اللذان في الجنازة من باب الفضل، واللذان هنا من باب العقوبة، وباب الفضل أوسع من غيره.
قلنا: القيراطان في الجنازة جاء في نص الحديث أنهما مثل الجبلين العظيمين، وهو حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري (١٣٢٥)، ومسلم (٩٤٥)، وفي رواية أخرى لحديث أبي هريرة عند البخاري (٤٧)، ومسلم (٩٤٥): «كل قيراط مثل أُحُد».

عن عبد الله بن مُغفَّل، قال: قال رسولُ الله ﷺ: لولا أن الكلابَ أُمةٌ من الأمم لأمرتُ بقتْلِها، فاقتُلوا منها الأسودَ البَهيمَ» (١).
٢٨٤٦ - حدَّثنا يحيي بنُ خَلَفِ، حدَّثنا أبو عاصمِ، عن ابن جريجٍ، أخبرني أبو الزبير عن جابر، قال: أمَر نبيُّ الله ﷺ بقتْلِ الكلاب، حتى إنْ كانتِ المرأةُ تَقْدَمُ من البادية -يعني بالكلب- فنقتلُه، ثم نهانا عن قتلِها، وقال: «عليكم بالأسْودِ» (٢).


١١) إسناده صحيح. الحسن: هو البصري، وقد صرح بسماعه لهذا الحديث من عبد الله بن مغفل عند ابن حبان (٥٦٥٦). يونس: هو ابن عُبيد العبدي.
وأخرجه ابن ماجه (٣٢٠٥)، والترمذي (١٥٥٧)، والنسائي (٤٢٨٠) من طريق يونس بن عبيد، به. وقرن به الترمذي: منصور بن زاذان. وقال: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٧٨٨)، و«صحيح ابن حبان» (٥٦٥٦) و(٥٦٥٧).
وانظر ما سلف برقم (٧٤).
قال الخطابي: معناه أنه كره إفناء. أمة من الأمم، وإعدام جيل من الخلق حتى يأتى عليه كله، فلا يبقي منه باقيه. لأنه ما من خلق لله تعالى إلا وفيه نوع من الحكمة، وضرب من المصلحة.
يقول: إذاكان الأمر على هذا ولا سبيل إلى قتلهن كلهن، فاقتلوا شرارهن، وهي السود البُهم، وأبقوا ما سواها، لتنتفعوا بهن في الحراسة. ويقال: إن السود منها شرارها وعُقُرها.
وقال أحمد وإسحاق: لا يحل صيد الكلب الأسود.
وقَال ابن الأثير في «النهاية»: البَهيم: المُصمت الذي لم يخالط لونَه لونٌ غيرُه.
(٢) إسناده صحيح. أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس المكي- قد صرح بالسماع عند مسلم وغيره، فانتفت شبهة تدليسه في هذا الحديث. ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي، وأبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد. =

٢ - باب في الصيد
٢٨٤٧ - حدَّثنا محمد بن عِيسى، حدَّثنا جَريرٌ، عن مَنصورٍ، عن إبراهيمَ، عن همامٍ عن عدي بن حاتم، قال: سألتُ النبي ﷺ، قلت: إني أُرسل الكلابَ المعلَّمَةَ فتمسكُ عَلَىَّ، أفآكل؟ قال: «إذا أرسلتَ الكلابَ المُعلَّمةَ، وذكرتَ اسمَ اللهِ، فكُلْ مِمَّا أمْسَكْنَ عليكَ». قلت: وإن قَتَلْنَ؟ قال: «وإن قتلْنَ، ما لم يَشْرَكْها كلبٌ ليس منها» قلت: أرمي بالمِعْراضِ فأصيبُ، أفآكل؟ قال: «إذا رَميتَ بالمِعْراض وذكرتَ اسمَ اللهِ فأصابَ فَخَزَق فكُلْ، وإن أصابَ بِعَرْضِه فلا تأكُلْ» (١).


= وأخرجه مسلم (١٥٧٢) من طريق ابن جريج، به.
وهو في (مسند أحمد«(١٤٥٧٥)، و»صحيح ابن حبان«(٥٦٥١).
قال بدر الدين العيني في»عمدة القاري«١٥/ ٢٠٢: أخذ مالك وأصحابه وكثير من العلماء جواز قتل الكلاب إلا ما استثني منها، ولم يرو الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخًا، بل محكمًا، وقام الإجماع على قتل العقور منها، واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين: أمر الشارع أولا بقتلها كلها ثم نسخ ذلك، ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم، ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميعها إلا الأسود، لحديث عبد الله بن مغفل المزني:»لولا أن الكلب أمة من الأمم لأمرت بقتلها«رواه أصحاب السنن الأربعة.
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من (ها) وحدها، وهي برواية أبي بكر ابن داسه، وقال الحافظ المزي في»الأطراف" (٢٨١٣): حديث أبي داود هذا في رواية ابن العبد وابن داسه، ولم يذكره أبو القاسم. قلنا: يعنى أنه ليس في رواية اللؤلؤي.
(١) إسناده صحيح. همام: هو ابن الحارث النخعي، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، ومنصور: هو ابن المعتمر، وجرير: هو ابن عبد الحميد، ومحمد بن عيسى: هو ابن الطباع. =

٢٨٤٨ - حدَّثنا هَنَّاد بن السَّرِيِّ، حدَّثنا ابنُ فُضَيلٍ، عن بَيانٍ، عن عامرٍ عن عدي بن حاتِم، قال: سألتُ النبيَّ ﷺ قلتُ: إنا نَصِيدُ بهذه الكلابِ، فقال لي: «إذا أرسلتَ كلابَك المُعلَّمةَ، وذكرتَ اسمَ الله عليها، فكُلْ مما أمْسَكْن عليكَ، وإن قَتلَ، إلا أن يأكلَ الكلبُ، فإن أكل فلا تأكُل، فإني أخافُ أن يكونَ إنما أمسكَه على نفسِه» (١).


= وأخرجه البخاري (٥٤٧٧) و(٧٣٩٧)، ومسلم (١٩٢٩)، وابن ماجه (٣٢١٥)، والترمذي (١٥٣١) و(١٥٣٢)، والنسائي (٤٢٦٥) و(٤٢٦٧) و(٤٣٠٥) من طريق منصور بن المعتمر، بهذا الإسناد. واقتصر ابن ماجه على ذكر المعراض.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٢٤٩) و(١٨٢٦٦)، و«صحيح ابن حبان» (٥٨٨١).
وانظر ما بعده، وما سيأتي بالأرقام (٢٨٤٩) و(٢٨٥١) و(٢٨٥٣) و(٢٨٥٤).
قال الخطابي: ظاهره يدل على أنه إذا أرسل الكلبَ ولم يسمِّ لم يؤكل، وهو قولُ أهل الرأي، إلا أنهم قالوا: إن ترك التسمية ناسيًا حلَّ.
وذهب من لا يرى التسمية شرطًا في الذكاة الى أن المراد بقوله: «وذكرت اسم الله» ذكر القلب، وهو أن يكون إرساله الكلب بقصد الاصطياد به، لا يكون في ذلك لاهيًا أو لاعبًا، لا قصد له بذلك.
وقوله: «أرمي بالمعراض» فإن المعراض: نصل عريض. وفيه إزانة [لعله أراد يُبوسة، قال في «اللسان»: زن عصبه إذا يبس] ولعله يقول: إن أصابه بحده حتى نفذ في الصيد، وقطع سائر جلده فكُله، وهو معنى قوله: «فخزق» وإن كان إنما وقذه بثِقله ولم يخزق فهو ميتة.
وقوله: «ما لم يشركها كلب ليس منها» أي: لعل إتلاف الروح لم يكن من قِبَل كلبك المعلم، إنما كان من قِبَلَ الكلب غير المعلّم.
(١) إسناده صحيح. عامر: هو ابن شَراحيل الشعبي، وبيان: هو ابن بشْر البجلي، وابن فضيل: هو محمد.
وأخرجه البخاري (٥٤٨٣) و(٥٤٨٧)، ومسلم (١٠٢٩)، وابن ماجه له (٣٢٠٨)
من طريق بيان بن بشر، به. وزادوا جميعًا: «وإن خالطَها كلابٌ من غيرها فلا تأكل». =

٢٨٤٩ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، عن عاصم الأحولِ، عن الشعبيِّ عن عدي بن حاتم، أن النبيَّ ﷺ قال: «إذا رميتَ بسهمِكَ، وذكرتَ اسمَ اللهِ، فوجدتَهُ من الغَدِ ولم تجِده في ماءٍ، ولا فيه أثرُ غيرِ سهمِك، فكُل، وإذا اختَلَط بكلابك كلبٌ من غيرها فلا تأكُل، لا تدري لعلَّه قتلَه الذي ليس منها» (١).


= وهو في «مسند أحمد» (١٨٢٧٠).
وانظر ما قبله.
وأخرج منه قطعةَ أكلِ الكلبِ المعلم من الصيد: النسائيُّ (٤٢٧٥) من طريق عاصم بن سليمان الأحول، عن الشعبي، به.
وستأتي هذه القطعة ضمن الحديث (٢٨٥١) و(٢٨٥٤).
(١) إسناده صحيح. الشعبي: هو عامر بن شَراحيل، وعاصم الأحول: هو ابن سُليمان، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه بنحوه البخاري (٥٤٨٤)، ومسلم (١٩٢٩)، وابن ماجه (٣٢١٣)، والترمذي (١٥٣٦)، والنسائي (٤٢٦٣) و(٤٢٦٤) و(٤٢٦٨) و(٤٢٩٨) و(٤٢٩٩)
من طريق عاصم بن سليمان، والنسائي (٤٢٦٩) من طريق زكريا بن أبي زائدة، كلاهما عن الشعبي، به. وعند بعضهم زيادات ليست في هذا الطريق، ورواية بعضهم مختصرة، وعند البخاري قال: «بعد يوم أو يومين» بدل: «الغد».
وأخرجه الترمذي (١٥٣٥)، والنسائي (٤٣٠٠ - ٤٣٠٢) من طريق سعيد بن جبير، عن عدي بن حاتم. بذكر صيد السهم فقط.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٢٥٩) دون ذكر صيد السهم.
وانظر ما سلف برقم (٢٨٤٧).
ولصيد السهم انظر ما سيأتي برقم (٢٨٥٣). ولوجود الصيد في الماء انظر ما بعده.
ولمخالطة الكلاب للكلب المعلم انظر ما سيأتى برقم (٢٨٥٤). =

٢٨٥٠ - حدَّثنا محمدُ بن يحيى بن فارس، حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا يحيى بن زكريا بنِ أبي زائدةَ، أخبرني عاصمٌ الأحولُ، عن الشعبيِّ
عن عدي بن حاتم، أن النبي ﷺ قال: «إذا وقعَتْ رَمِيّتُكَ في ماءٍ، فغرق فمات، فلا تأكُل» (١).
٢٨٥١ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا عبدُ الله بن نُمَيرٍ، حدَّثنا مُجالدٌ، عن الشعبيِّ عن عدي بن حاتم، أن النبيَّ ﷺ قال: «ما عَلّمْتَ من كلبٍ أو باز، ثم أرسلتَه وذكرتَ اسمَ اللهِ، فكُل مما أمسكَ عليك» قلت: وإن


= قال الخطابي: إنما نهاه عن أكله إذا وجده في الماء، لإمكان أن يكون الماء أغرقه فهلك من الماء، لا قتل الكلب، وكذلك إذا وجد فيه أثرًا لغير سهمه.
والأصل: أن الرخص تُراعى فيها شرائطها التي لها وقعت الإباحة، فمهما أخلَّّ بشئ منها عاد الأمر إلى التحريم الأصلي. وهذا باب كبير من العلم.
(١) إسناده صحيح. وقد اختلفَ رواةُ «السنن» عن أبي داود في إسناد هذا الحديث، كما نبه عليه الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (٩٨٦٢) فقال: في رواية ابن العبد وابن داسَة: عن أبي داود، عن زياد بن أيوب، عن يحيي بن زكريا بن أبي زائدة، عن عاصم الأحول. وفى رواية أبي عمرو البصري: عن أبي داود، عن أحمد ابن حنبل، عن يحيي بن زكريا، عن عاصم. وفى رواية اللؤلؤي: عن أبي داود، عن محمد بن يحيي بن فارس، عن أحمد بن حنبل، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عاصم.
قلنا: وهذا خلاف لا يضر، لأن زياد بن أيوب -هو ابن زياد البغدادي- ثقة حافظ وأحمدُ بن حنبل معلوم أنه شيخٌ لأبي داود، ويمكن أن يكون سمعه بواسطة محمد بن يحيي بن فارس -وهو الذُّهلي- عن أحمد بن حنبل، فالإسنادُ صحيحٌ.
وأخرجه بنحوه مسلم (١٩٢٩)، والترمذى (١٥٣٦)، والنسائي (٤٢٩٨) من طريق عاصم الأحول، به. وعندهم زيادات ليست في هذا الطريق.
وانظر ما قبله.

قتلَ؟ قال: «إذا قتلَه ولم يأكُل منه شيئًا، فإنما أمسكَه عليكَ» (١).
قال أبو داود: الباز إذا أكلَ فلا بأسَ به، والكلبُ إذا أكل كُرِه، وإن شربَ الدمَ فلا بأس به (٢).
٢٨٥٢ - حدَّثنا محمدُ بن عيسى، حدَّثنا هشَيم، حدَّثنا داودُ بن عَمرٍو، عن بُسر بن عُبيد الله، عن أبي إدريَس الخَولانيِّ


(١) حديث صحيح دون ذكر البازي، فلم يذكره في حديث عدي أحدٌ من أصحاب الشعبي الثقات عنه غير مُجالد -وهو ابنُ سعيد- وهو ضعيف، لكن يشهد لصيد الجوارح قوله تعالى: ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤].
وأخرجه مختصرًا بذكر صيد البازي فقط: الترمذي (١٥٣٤) من طريق مجالد بن سعيد، به. وقال: حديث لا نعرفه إلا من حديث مجالد عن الشعبي.
وأخرجه أيضًا بذكر الكلب المعلم فقط (١٥٣٧) من طريق مجالد، به. وزاد ذكر مخالطة الكلاب للكلب المعلم، وقد سلف برقم (٢٨٤٩)، وسيأتي برقم (٢٨٥٤).
وانظر ما سلف برقم (٢٨٤٧) و(٢٨٤٧).
وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم: لا يرون بصيد البزاة والصقور بأسًا. وقال مجاهد: البزاة هو الطير الذي يُصاد به من الجوارح التي قال الله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾، فسَّرَ الكلابَ والطيرَ الذي يُصاد به.
قال: وقد رخص بعض أهل العلم في صيد البازي وإن أكل منه، وقالوا: إنما تعليمه إجابته، وكرهه بعضهم، والفقهاء أكثرهم قالوا: نأكل وإن أكل منه.
قال الدميري في «حياة الحيوان» ١/ ١٥٢ - ١٥٣: البازي: أفصح لغاته: بازي، مخففة الياء، والثانية باز، والثالثة: بازيّ، بتشديد الياء، حكاهما ابن سيده. قال: ولفظه مشتق من البَزَوان، وهو الوثب، ويقال للبزاة والشواهين وغيرهما مما يصيد: صقور.
(٢) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها من رواية ابن الأعرابي.

عن أبي ثعلبةَ الخُشَني، قال: قال رسولُ الله ﷺ في صيدِ الكلبِ:
«إذا أرسلتَ كلبك وذكرتَ اسمَ الله فكُلْ، وإن أكلَ منه، وكل ما رَدّتْ عليك يدُكَ» (١).


(١) حديث صحيح دون قوله: «وإن أَكَلَ منه»، فلم يذكره في حديث أبي ثعلبة الخُشني غيرُ داود بن عمرو -وهو الأودي الشامي- وهو وإن وثقه ابن معين، وقال أحمد: مقارب الحديث، ما أرى بحديثه بأسًا، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو داود: صالح، وقال ابن عدي: ولا أرى برواياته بأسًا، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال أبو حاتم الرازي مرة: شيخ، وقال: ليس بالمشهور، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: يكتب حديثه، وليس بالقوي ومثله يكون حسن الحديث - خالفه من هو أوثق منه، فلم يذكروا فيه: «وإن أكل منه» فقد رواه ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس الخولاني -واسمه عائذ الله بن عبد الله-، عن أبي ثعلبة، فلم يذكره، وكذلك رواه أبو أسماء الرحبي، عن أبي ثعلبة، فلم يذكره، ويخالفه أيضًا حديث عدي بن حاتم السالف برقم (٢٨٤٨) وهو في «الصحيحين»، وفيه النصّ على عدم الأكل مما أكل منه الكلب، ولهذا قال الإمام أحمد فيما نقله ابن القيم في «تهذيب السنن»: يختلفون في حديث أبي ثعلبة عن هشيم، وقال أبو نعيم في «الحلية» ٨/ ١٣٨: الصحيح ما رواه عدي بن حاتم أن النبي ﷺ قال له: «إذا أكل الكلب منها فلا تأكل منه، فإنما أمسكه على نفسه». وقال ابن حزم في «المحلي» ٧/ ٤٧١: ساقط لا يصح، داود بن عمرو ضعيف، وقال البيهقي: حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه مخرج في «الصحيحين» من حديث ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس الخولانى، عن أبي ثعلبة، وليس فيه ذكر الأكل، وحديث الشعبي، عن عدي أصح من حديث داود بن عمرو الدمشقي ومن حديث عمرو بن شعيب والله أعلم، وقال الذهبي في «الميزان» في ترجمة داود بن عمرو الأودي: انفرد بحديث: «إذا أرسلت كلبك المعلم ...» خرجه أبو داود من حديث أبي ثعلبة. وهذا حديث منكر، وقال ابن القيم في «تهذيب السنن»: تقدم تعليل حديث أبي ثعلبة بداود بن عمرو، وهو ليس بالحافظ، قال فيه ابن معين مرة: مستور، قال أحمد: يختلفون في حديث أبي ثعلبة على هشيم، قال ابن القيم: وحديث الشعبي عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عدي من أصح ما روي عن النبي ﷺ. الشعبي يقول: كان جاري وربيطي فحدثني، والعمل عليه.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تحسين القول في هذا الحديث، ولم يعدُّوه منكرًا، فقد حسَّن إسناده ابن عبد الهادي في «التنقيح» ٣/ ٣٧٢، وجوَّده ابنُ كثير في «تفسيره» عند قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ (المائدة: ٤) وصححه في «تخريج أحاديث التنبيه» ١/ ٣٦٤، وسلكوا في الجمع بين هذه الرواية وبين روايات أبي ثعلبة الأُخرى التي توافق رواية عدي بن حاتم مسالك، منها، ما قاله الخطابي ويمكن أن يوفق بين الحديثين من الروايتين بأن يجعل حديث أبي ثعلبة أصلًا في الإباحة، وأن يكون النهي في حديث عديٍّ على معنى التنزيه دون التحريم، ويحتمل أن يكون الأصل في ذلك: حديث عدي بن حاتم. ويكون النهي على التحريم الباتّ، ويكون المراد بقوله: «وإن أكل» فيْما مضى من الزمان وتقدم منه، لا في هذه الحال.
قلنا: وهذا الاحتمال الثاني، وهو النسخ قال به أيضا أبو عمر بن عبد البر في «الاستذكار» (٢١٩٤٩) حيث قال: قد عارض حديثُ عدي هذا حديثَ أبي ثعلبة ناسخ لقول فيه: وإن أكل يا رسول الله؟ قال: «وإن أكل».
وقال ابن القيم في «تهذيب السنن»: الصواب في ذلك أنه لا تعارض بين الحديثين، على تقدير الصحة، ومحمل حديث عدي في المنع على ما إذا أكل منه حال صيده، لأنه إنما صاده لنفسه، ومحمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا أكل منه بعد أن صاده وقبله، ونهى عنه، ثم أقبل عليه فأكل منه، فإنه لا يحرم. لأنه أمسكه لصاحبه، وأكله منه بعد ذلك كأكله من شاة ذكاها صاحبها، أو من لحم عنده، فالفرق بين أن يصطاد ثم يعطف عليه فيأكل منه فرق واضح.
وبنحو هذا الذي قاله ابن القيم قال ابن الملقن في «البدر المنير» ٩/ ٢٤٣.
وقال ابن القيم: اختُلف في إباحة ما أكل منه الكلب من الصيد: فمنعه ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وطاووس والشعبي والنخعي، وعُبيد بن عمير وسعيد بن جبير وأبو بُردة وسويد بن غَفَلة وقتادة، وهو قول إسحاق وأبي حنيفة وأصحابه، وهو أصح الروايتين عن أحمد وأشهرهما وأحد قولي الشافعي. =

٢٨٥٣ - حدَّثنا الحسينُ بن مُعاذِ بن خُلَيفٍ، حدَّثنا عبدُ الأعلى، حدَّثنا داودُ، عن عامرٍ عن عَدي بن حاتِم أنه قال: يا رسولَ الله، أحدُنا يرمي الصيدَ فيقتفي أثَرَه اليومين والثلاثةَ ثم يجدُه ميتًا، وفيه سهمُه، أيأكُل؟ قال: «نعم إن شاء» أو قال: «يأكُلُ إن شاء» (١).


= وأباحه طائفة، يروى ذلك عن سعد بن أبي وقاص وسلْمان. ويروى عن أبي هريرة أيضًا وعن ابن عمر رواه أحمد عنهم، وبه قال مالك والشافعي في القول الآخر، وأحمد في إحدى الروايتين.
وأخرجه الترمذي (١٩٠١) من طريق أبي أسماء الرحَبي عمرو بن مرثد الدمشقي، عن أبي ثعلبة الخشني. وإسناده صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٧٥٠).
وسيأتي ذكر الكلب المعلم عند المصنف من طريق ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولانن برقم (٢٨٥٥) وسيأتي كذلك ذكر القوس والكلب من طريق يونس بن سيف عن أبي إدريس الخولاني برقم (٢٨٥٦).
وسيأتي ذكر الكلب والقوس كليهما أيضًا من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن أعرابيًا يقال له أبو ثعلبة الخشني فذكره بمعناه برقم (٢٨٥٧).
(١) إسناده صحيح. عامر: هو ابن شَراحيل الشعبي، وداود: هو ابن أبي هند، وعبد الأعلى: هو ابن عبد الأعلى السامي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» ٥/ ٣٧٢، وفي «مسنده» كما في «تغليق التعليق» لابن حجر ٤/ ٥٠٥، ومن طريقه أخرجه ابن حزم في «المحلى» ٧/ ٤٦٤، وابن حجر في «التغليق» ٤/ ٥٠٥ عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، بهذا الإسناد. وقد علقه البخاري في «صحيحه» برقم (٥٤٨٥) عن عبد الأعلى بصيغة الجزم.
وأخرجه البخاري (٥٤٨٤) من طريق عاصم الأحول، عن الشعبي، به. ضمن حديث مطول.
وأخرجه النسائي (٤٣٠٠) من طريق سعيد بن جبير، عن عدي بن حاتم. إلا أنه قال: الليلة والليلتين. =

٢٨٥٤ - حدَّثنا محمدُ بن كَثير، أخبرنا شعبةُ، عن عبدِ الله بن أبي السّفَر، عن الشعبيَّ، قال:
قال عديُّ بن حاتم: سألتُ النبيَّ ﷺ عن المِعْرَاض، فقال: «إذا أصابَ بحَدِّه فكُلْ، وإذا أصابَ بعَرْضِه فلا تأكُلْ، فإنه وَقِيذٌ» قلت: أُرسلُ كلبي قال: «إذا سميتَ فكُلْ، وإلا فلا تأكُلْ، وإن أكل منه فلا تأكُلْ، فإنما أمسكَ لِنفْسِه»فقال: أُرسِلُ كلبي فأجدُ عليه كلبًا آخَرَ، فقال: «لا تأكُلْ، لأنك إنما سميتَ على كلبِك» (١).
٢٨٥٥ - حدَّثنا هنّاد بن السَّرِيِّ، عن ابنِ المُبارَكِ، عن حَيوةَ بن شُرَيحِ قال: سمعتُ ربيعةَ بن يزيدَ الدَّمشقيَّ يقول: أخبرني أبو إدريسَ الخَولانيُّ عائذ الله قال:
سمعتُ أبا ثعلبةَ الخُشَنيَّ يقول: قلتُ: يا رسولَ الله، إني أصيدُ بكلبي المُعلَّم وبكلبي الذي ليس بمُعلّمٍ، قال: «ما اصَّدْتَ بكلبك


= وانظر ما سلف برقم (٢٨٤٩).
تنبيه: جاء في»تحفة الأشراف«للحافظ المزي (٩٨٥٩) أن في رواية ابن العبد لسنن أبي داود إسنادًا آخرَ، وهو: عن ابن المثنى، عن عبد الوهَّاب، عن داود، نحوه.
(١) إسناده صحيح. الشعبي: هو عامر بن شَراحيل، وشعبة: هو ابن الحجاج.
وأخرجه البخارى (١٧٥) و(٥٤٧٦) و(٥٤٨٦)، ومسلم (١٩٢٩)، والنسائي (٤٢٧٢) من طريق شعبة، بهذا الإسناد.
وأخرجه بتمامه ومختصرًا البخاري (٥٤٧٥)، ومسلم (١٩٢٩)، وابن ماجه (٣٢١٢) و(٣٢١٤)، والترمذي (١٥٣٨) و(١٥٣٩)، والنسائي (٤٢٦٤) و(٤٢٧٠ - ٤٢٧٤) و(٤٣٠٧) و(٤٣٠٨) من طرق عن عامر الشعبي، به.
وهو في»مسند أحمد" (١٨٢٤٥).
وانظر ما سلف برقم (٢٨٤٧) و(٢٨٤٨) و(٢٨٤٩).

المُعلَّم فاذكُرِ اسمَ اللهِ وكُلْ، وما اصَّدْتَ بكلبك الذي ليس بمعلَّمٍ فأدركتَ ذَكاتَه فكُلْ» (١).
٢٨٥٦ - حدَّثنا محمد بن المُصفَّى، حدَّثنا محمدُ بن حربٍ (ح)
وحدَثنا محمد بن المُصفَّى، حدَّثنا بقيةُ، عن الزُّبَيديِّ، حدَّثنا يونُس بن سيفٍ، حدَّثنا أبو إدريسَ الخَولاني
حدَّثني أبو ثعلبةَ الخُشَني، قال: قال لي رسولُ الله ﷺ: «يا أبا ثعلبةَ كُلْ مَا رَدَّت عليكَ قوسُك وكلبُك»، عن ابن حرب «المُعلَّم وَيَدُكَ، فكُلْ ذكيًا وغيرَ ذكيّ» (٢).
٢٨٥٧ - حدَّثنا محمدُ بن المِنهالِ الضّريرُ، حدَّثنا يزيدُ بن زُرَيعٍ، حدَّثنا حَبيب المُعلّم، عن عَمرو بن شُعيب، عن أبيه
عن جده، أن أعرابيًا يقال له: أبو ثعلبةَ قال: يا رسولَ اللهِ، إن لي كلابًا مُكَلّبَةَ فأفْتِنِي في صيدِها، فقال النبيُّ ﷺ: «إن كان لك كلابٌ مُكَلَّبَةٌ فكُلْ مما أمْسَكْنَ عليكَ» قال: «ذكيًا أو غير ذَكيِّ» (٣) قال: وإن أكلَ منه؟


(١) إسناده صحيح. ابن المبارك: هو عبد الله.
وأخرجه البخاري (٥٤٨٧)، ومسلم (١٩٣٠)، وابن ماجه (٣٢٠٧)، والنسائي (٤٢٦٦) من طريق حيوة بن شريج، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٧٥٢)، و«صحيح ابن حبان» (٥٨٧٩).
وانظر ما بعده، وما سلف برقم (٢٨٥٢).
وقوله: «ما اصَّدت» كذا في أصولنا بتشديد الصاد، وأصله: اصطَدتَ، فقلبت الطاءُ صادًا وأدغمت مثل اصَّبَرَ في اصطَبَر.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من جهة محمد بن حرب -وهو الخَولاني الحمصي- من أجل محمد بن المصفى، فهو صدوق حسن الحديث، وهو متابع.
وبقية: هو ابن الوليد، وهو ضعيف الحديث. والزبيدي: هو محمد بن الوليد.
وانظر ما قبله، وما سلف برقم (٢٨٥٢).
(٣) قوله: قال: «ذكيًا أو غير ذكي» هو من تمام كلام الرسول ﷺ،يبين ذلك رواية =

قال: «وإن أكلَ منه» قال: يا رسولَ الله، أفتِني في قوسِي، قال: «كُلْ ما رَدَّتْ عليك قوسُك» قال: «ذكيًّا أو غيرَ ذَكيٍّ» (١) قال: وإن تَغيّبَ عني؟ قال: «وإن تغيَّبَ عنك، ما لم يَصِلَّ، أو تجدْ فيه أثرًا غيرَ سهمِك»، قال: أفْتِني في آنيةِ المَجوس إذا اضْطُرِرنا إليها، قال: «اغْسِلْهَا وكُلْ فيها» (٢).


= المنذري في «مختصره»: «فكل مما أمسكن عليك ذكيًا أو غير ذكي»، ولفظ أحمد والدارقطني: «إن كانت لك كلاب مكلَّبة فكل مما أمسكت عليك» فقال: يا رسول الله، ذكى وغير ذكي؟ قال: «ذكيٌّ وغير ذكيّ» ...
(١) انظر التعليق السابق.
(٢) صحيح لغيره، دون ذكر إباحة الأكل مما أكل منه الكلب، لمخالفتها ما جاء في «الصحيحين» من حديث عدي بن حاتم، وقد سلف برقم (٢٨٤٨) و(٢٨٥٤)، وقد أعله البيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ٢٣٨ بما رواه شعبة بن الحجاج، عن عبد رَبّه بن سعيد الأنصاري، عن عمرو بن شعيب، عن رجل من هذيل: أنه سأل النبي ﷺ عن الكلب يصطاد، فقال: «كل أكل أو لم يأكل»، وأعله كذلك ابنُ حزم بأن رواية عمرو عن أبيه، عن جده صحيفة، وما علله به ليس بعلة.
وقد ذهب قوم إلى تحسين القول في هذا الحديث، فقال ابن عبد الهادي في «التنقيح» ٣/ ٣٧٢، وفي «المحرر» (٧٤٨): إسناده صحيح، وكذلك صحح إسناده ابنُ الملقن في «البدر المنير» ٩/ ٢٤١، وقال ابن كثير في «تفسيره» عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ [المائدة: ٤]: إسناده جيد، ومَن ذهب إلى تصحيح الحديثين حديثِ عدي بن حاتم وهذا الحديث جمع بينهما بما يزيل ذلك التعارض بالوجوه التي سبق ذكرها عند حديث أبي ثعلبة السالف برقم (٢٨٥٢).
وأخرجه أحمد (٦٧٢٥)، والدارقطني (٤٧٩٧)، - والبيهقي ٩/ ٢٣٧ - ٢٣٨ و٢٤٣ من طريق حبيب المعلم، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٤٢٩٦) من طريق أبي مالك عبيد الله بن الأخنس، عن عمرو ابن شعيب، به إلا أنه قال في روايته: «وإن قتلْن»، ولم يقُل: «وإن أكل منه» ولم يذكر آنية المجوس.
وانظر ما قبله، وما سيأتي برقم (٢٨٦١). =

٣ - باب في صيدٍ قُطع منه قطعةٌ
٢٨٥٨ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا هاشمُ بن القاسمِ، حدَّثنا عبدُ الرحمن بن عبد الله بن دينارٍ، عن زيدِ بن أسلمَ، عن عطاءِ بن يَسارٍ


= وأما استعمال آنية المجوس فقد جاء في حديث أبي ثعلبة نفسه عند أحمد (١٧٧٣٣)، والترمذي (١٥٣٢) منصوصًا، وجاء عند البخاري (٥٤٩٦)، ومسلم (١٩٣٠) من حديث أبي ثعلبة كذلك، لكنه قال: «آنية أهل الكتاب» فذكر: أهل الكتاب، ولم يذكر: المجوس، لكن أورده البخاري وترجم له بقوله: باب آنية المجوس والميتة.
وسيأتي عند المصنف برقم (٣٨٣٩).
وسيأتي في حديث جابر بن عبد الله عند المصنف (٣٨٣٨) قال: كنا نغزو مع رسول الله ﷺ فنُصيب من آنية المشركين وأسقيتهم، فنستمتع بها، فلا يعيبُ ذلك عليهم.
قال الخطابي: المكلّبة: المسلطة على الصيد، المضراة بالاصطياد.
وقوله: «ذكيًا أو غير ذكي» يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون أراد بالذكي: ما أمسك عليك، فأدركه قبل زهوق نفسه، فذكاه، في الحلق واللبة، وغير الذكي: ما زهقت نفسه قبل أن يدركه.
والآخر: أن يكون أراد بالذكي: ما جرحه الكلب بسنه أو مخالبه فسال دمُه، وغير الذكي ما لم يجرحه.
وقد اختلف فيما قتله الكلب ولم يدمه:
فذهب بعضهم إلى تحريمه. وذلك أنه قد يُمكن أن يكونَ إنما قتله الكلبُ بالضغط والاعتماد. فيكون في معنى الموقوذة، وإلى هذا ذهب الشافعي في أحد قوليه. وقوله: «ما لم يَصِلَّ» أي: ما لم ينتن ويتغير ريحه. يقال: صَلَّ اللحم وأَصَلَّ لغتان، قلت (القائل الخطابي): وهذا على معنى الاستحباب دون التحريم، لأن تغيير ريحه لا يُحرِّم أكله، وقد روي أن النبي ﷺ أكل إهالة سَنِخَة، وهى المتغيرةُ الريح.
وقد يحتمل أن يكون معنى «صَلَّ» بأن يكون قد نهشه هامّة فصَلّ اللحم، أي: تغير لِمَا سَرَى فيه من سُمها، فأسرع إليه الفسادُ.
وفيه النهي من طريق الأدب عن أكل ما تغير مِن اللحم بمرور المدة الطويلة عليه.

عن أبي واقد، قال: قال النبيُّ ﷺ: «مَا قُطِعَ من البَهيمةِ وهي حَيِّةٌ فهي مَيتةٌ» (١).

٤ - باب في اتِّبَاعِ الصيد
٢٨٥٩ - حدَّثنا مُسَدد، حدَّثنا يحيى، عن سفيانَ، حدثني أبو مُوسى، عن وهبِ بن مُنبِّهٍ عن ابن عباس، عن النبي ﷺ وقال مرةً سفيانُ: ولا أعلمُه إلا عن النبيِّ ﷺ قال: «منْ سكَنَ الباديةَ جَفا، ومَنِ اتّبَعَ الصَّيدَ غَفَلَ،


(١) حديث حسن، حسنه الترمذي، وقال: العمل على هذا عند أهل العلم، وقال البخاري: هو محفوظ، وصححه أبو نعيم في»حلية الأولياء«٨/ ٢٥١، وقد اختلف فيه على زيد بن أسلم كما بيناه في»مسند أحمد«(٢١٩٠٣).
وأخرجه الترمذي (١٥٤٩) و(١٥٥٠) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، بهذا الإسناد.
وهو في»مسند أحمد" (٢١٩٠٣)، وانظر تمام تخريجه والكلام عليه فيه.
قال الخطابي: هذا في لحم البهيمة وأعضائها المتصلة ببدنها، دون الصوف المستخلف والشعر، نحوه.
وكذلك هذا في الكلب يرسله فينتف من الصيد نتفة قبل أن يزهق نفسه، أو تصيبه الرمية فيكسر منه عضوًا وهو حي، فإن ذلك كله محرم. لأنه بان من البهيمة وهي حية، فصار ميتة.
فأما إذا فصده نصفين فإنه بمنزلة الذكاة له، ويؤكلان جميعًا.
وقال أبو حنيفة: إن كان النصف الذي فيه الرأس أصغر كان ميتة، وإن كان الذي يلي الرأس حلت القطعتان.
وعند الشافعي: لا فرق، وكلتاهما حلال، لأنه إذا خرج الروح من القطعتين معًا في حالة واحدة فليس هناك إبانة ميتة عن حي، بل هو ذكاة للكل، لأن الكل صار ميتًا بهذا العقر، فليس شيئًا منه تابعًا لشيء، بل كله سواء في ذلك.

ومَن أتَى السُّلْطانَ افْتُتِنَ» (١).
٢٨٦٠ - حدَّثنا محمدُ بن عيسى، حدَّثنا محمدُ بن عُبيدٍ، حدَّثنا الحسنُ بن الحَكَم النَّخَعيُّ، عن عَديِّ بن ثابتٍ، عن شيخٍ من الأنصار
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ-بمعنى مُسَدَّد- قال: «ومن لزمَ السُّلْطانَ افُتُتِن»، زاد: «وما ازداد عبدٌ من السلطان دُنُوًّا إلا ازدادَ من الله بُعْدًا» (٢).


(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي موسى، ومع ذلك فقد حسنه الترمذي، والبغوي في «مصابيح السنة» (٢٧٩٢) وصححه عبد الحق الإشبيلي، وجوّد إسناده ابن مفلح في «الآداب الشرعية» ٣/ ٣٤٦ جازمًا بأن أبا موسى هذا هو إسرائيل ابن موسى الثقة، مع أن الإمام أحمد قد نص على أنه ليس إسرائيل في «العلل» لكن تعقب ابنُ القطان عبدَ الحق في «بيان الوهم والإيهام» ٤/ ٣٦٢ بأن في إسناد الحديث أبا موسى، لا يعرف ألبتة. سفيان: هو الثوري، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه الترمذي (٢٤٠٦)، والنسائي (٤٣٠٩) من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
وفي الباب عن أبي هريرة، سيأتي بعده.
(٢) حسن لغيره، وهذا إسناد اختُلف فيه عن الحسن بن الحكم النخعي، كما بيناه في «المسند» (٨٨٣٦)، فقد أعله البخاري كما في «العلل الكبير» للترمذي ٢/ ٨٢٩ - ٨٣٠، وأبو حاتم كما في «العلل» لابنه ٢/ ٢٤٦، والدارقطني في «العلل» ٨/ ٢٤٠ - ٢٤١، لكن الدارقطني ذكر الاختلاف عن الحسن بن الحكم ولم يقض فيه بشيء، وضعفه المنذري في «اختصار السنن»، ومع ذلك فقد حسنه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٥/ ٢٤٤ - ٢٤٥، والعراقي في «تخريج أحاديث الإحياء»، وصححه العجلوني في «كشف الخفاء» بما رواه إسماعيل بن زكريا، عن الحسن بن الحكم، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة. حيث بين فيه إسماعيل بن زكريا الشيخ الأنصاري، وعليه يكون الإسناد كلهم رجال الصحيح كما قال النذري في "الترغيب=

٢٨٦١ - حدَّثنا يحيي بن مَعين، حدَّثنا حمادُ بن خالدِ الخيّاطُ، عن معاويةَ ابن صالحٍ، عن عبدِ الرحمن بن جُبَير بن نُفَير، عن أبيه


= والترهيب«والهيثمي في»مجمع الزوائد«. قلنا: لكن إسماعيل بن زكريا -وهو الخلقاني- مختلف فيه، وقال الحافظ: صدوق يُخطىء كثيرًا، وخالفه يعلى ومحمد ابنا عُبيد الطنافسي وحاتم بن إسماعيل وعيسى بن يونس وغيرهم وهم ثقات، فقالوا: عن شيخ من الأنصار، ولم يبيّنوه، فلا شكَّ أن قولهم مقدم على قوله. ولكن باجتماع هذا الحديث مع الحديث السابق يرتقى الحديث إلى درجة الحسن، والله أعلم. وقد قال ابن عبد البر في»التمهيد«: وقد صح عنه ﷺ أنه قال:»من لزم البادية جفا«.
وأخرجه إسحاق بن راهويه في»مسنده«-قسم مسند أبي هريرة- (٤٢٩) عن عيسى بن يونس، وابن راهويه (٤٣٠)، وأحمد في»مسنده«(٩٦٨٣) عن يعلى بن عبيد، وأحمد (٩٦٨٣) عن محمد بن عُبيد والبيهقي في»الشعب«(٩٤٠٤)، ثلاثتهم عن الحسن بن الحكم، به.
وأخرجه أحمد (٨٨٣٦) والبزار (١٦١٨ - كشف الأستار)، وابن حبان في»المجروحين«١/ ٢٣٣، وابن عدي في»الكامل«١/ ٣١٢، والقضاعي في»مسند الشهاب«(٣٣٩)، والبيهقي في»السنن الكبرى«١٠/ ١٠١، وفي»شعب الإيمان«(٩٤٠٣) من طريق إسماعيل بن زكريا الخلقاني، عن الحسن بن الحكم، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة.
وأخرجه أحمد (١٨٦١٩)، والترمذي في»العلل الكبير«٢/ ٨٢٩، وعبد الله بن أحمد في زوائده على»المسند«(١٨٦١٩) والروياني في»مسنده«(٣٨٣)، وأبو يعلى (١٦٥٤)، والدارقطني في»العلل«٨/ ٢٤١ من طريق شريك بن عبد الله النخعي، عن الحسن بن الحكم، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب رفعه:»من بدا جفا«.
فجعله من مسند البراء بن عازب وأسقط الواسطة بينه وبين عدي بن ثابت، وقال الترمذي عن البخاري: وكأنه يعُدُّ حديث شريك محفوظًا.
ئنبيه: هذا الحديث من رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر ابن داسة، نبه على ذلك المزي في»تحفة الأشراف" (١٥٤٩٥)، وقال: ولم يذكره أبو القاسم.

عن أبي ثعلبةَ الخُشَني، عن النبيِّ ﷺ قال: «إذا رَمَيتَ الصَّيدَ فأدركتَه بعد ثلاثِ ليالِ وسهمُك فيه، فكُلْهُ ما لم يُنْتِن» (١).
آخر كتاب الصيد


(١) إسناده صحيح. وقد أعله ابن حزم في «المحلى» ٧/ ٤٦٣ بمعاوية بن صالح، وليس ذلك بعلة، لأن معاوية بن صالح -وهو ابن حُدير الحضرمي- وثقه الأئمة، ولم يتكلم فيه غير يحيى القطان، ثم إنه متابع.
وأخرجه مسلم (١٩٣١)، والنسائي (٤٣٠٣) من طريق معاوية بن صالح، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٩٣١) من طريق أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، به.
وأخرجه أيضًا (١٩٣١) من طريق مكحول، عن أبي ثعلبة. قال الحافظ رشيد الدين العطار في «غرر الفوائد» ص ٢٣٣: وفي سماع مكحول من أبي ثعلبة نظر، إلا أن مسلمًا رحمه الله أورد حديث أبي ثعلبة هذا من طرق ثابتة الاتصال، وهو قوله ﷺ: «إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم ينتن» انفرد به مسلم دون البخاري،
والله الموفق.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٧٤٤).
وانظر كلام الخطابي على فقه الحديث عند الحديث رقم (٢٨٥٧).
تنبيه: هذا الحديث جاء في (أ) و(ب) و(ج) عقب الحديث (٢٨٤٥) في باب اتخاذ الكلب للصيد وغيره، وجاء في (هـ) عقب الحديث (٢٨٥٧)، وقد أشار الحافظ في نسخته التي رمزنا لها بالرمز (أ) أن هذا الحديث ليس في رواية ابن داسة مع أن (هـ) عندنا برواية ابن داسة والحديث ثابت فيها غير أنه جاء متأخرًا عما هو في رواية اللؤلؤي! وقد تركناه على الترتيب الذي جاء في نسخة العظيم آبادي والسهارنفوري.

 


google-playkhamsatmostaqltradent